حكاية ريان، الطفل المغربي الراحل، تقدم مثالا حيا على سطوة منصات التواصل الاجتماعي، وتؤكد تفوقها في المنافسة مع مؤسسات الإعلام التقليدي، فقد نجحت في أن تكون مرجعاً أساسياً لمعظم أخبارها، وتمكنت من تحديد أولوياتها في التغطيات الإخبارية، ومن صناعة قضايا الرأي العام وتوجهات الناس، فريان سبقته قضايا مشابهة لأطفال من سوريا والأردن وإسبانيا والهند وتايلند، ولكنها لم تحصل على نفس الزخم. باستثناء قتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة في عام 2000، والمنصات الاجتماعية لم تكن حاضرة في ذلك الوقت، وقد نعاه الراحل الكبير الدكتور غازي القصيبي بقصيدة في الصفحة الأولى لصحيفة الحياة اللندنية، واهتمام السوشيال ميديا بأنسنة المحتوى الإخباري، أثر بصورة بالغة على الإعلام المؤسسي، واستحوذ على شريحة واسعة من جماهيره ومعلنيه، ومن الأدلة، ما فعلته صحيفة الغارديان البريطانية في عام 2020، واستغنائها عن 12% من وظائفها الإخبارية لهذا السبب، مع مضاعفة تركيزها على التغطيات الإنسانية. قرية شفشاون المغربية الصغيرة وبئرها الضيقة تحولت إلى أيقونة عربية، واستطاعت الصمود في دائرة الضوء لقرابة مئة وعشرين ساعة، والمعتاد أن ما نسبته 80% من القصص الإخبارية على الشبكات الاجتماعية، لا يتجاوز عمرها الأسبوع ما لم تكن متطورة في تفاصيلها، وحكاية ريان كانت عبارة عن دراما عاطفية تحبس الأنفس وتليق بالرومانسيات العربية، وجاءت متفردة في مواصفاتها رغم أنها قصة متكررة في كل المجتمعات، والاختلاف يبدو في بثها الحي والمتواصل على منصة يوتيوب وعلى غيرها، وفي إمكانية توظيفها على طريقة برامج تلفزيون الواقع، أو ربما مسلسل 24 ساعة الأمريكي. منصات التواصل الاجتماعي يستخدمها أكثر من أربعة مليارات شخص حول العالم، وتصل أعداد المستخدمين العرب فيها إلى حوالى 140 مليونا، أو ما نسبته 60% من الإجمالي العربي، ومعدلات استخدامها اليومية في الدول العربية تزيد بساعة ونصف عن المعدل العالمي، والذي يقدر بنحو ثلاث ساعات في اليوم، وقد سجلت حضوراً لافتاً ومؤثراً في تفجيرات النقل العام بلندن عام 2005، وفي انتخابات أمريكا الرئاسية منذ 2008، وفي الحركة الخضراء الإيرانية وتفجيرات مدريد عام 2009، وفي أحداث الربيع العربي عام 2011، وفي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2017، ولعبت دوراً مركزياً في رفع سقف المسموح بتناوله في الإعلام التقليدي. خسارة الأطفال لا تعوضها تغطية وإن طالت، وأسأل الله أن يكون الراحل ريان وأمثاله شفعاء لوالديهم، ومنصات التواصل في نظر مستخدميها وباعتراف المختصين، تمثل منبرا للتكرار والثرثرة والتبسيط المخل، بالإضافة إلى أنها ليست ناضجة في محتواها على الأغلب، وتفتقد إلى المنهج الواضح والمنطقية في التفكير، وتستثمر في الإثارة والتشويق على حساب الأخلاقيات الإعلامية، ولعل اللافت أن الإعلام التقليدي أصبح يرتب أخباره الرئيسية وفق ترندات السوشيال ميديا، ويقبل عليها لزيادة أرقام المشاهدة لا أكثر.