في مجلس عامر بالخلاف والاختلاف ككل المجالس الطبيعية التي يبدأ فيها الحديث بثنائية الهلال والنصر وينتهي بمشاكل طبقة الأوزون، سألني صديق لدود إن كنت قد قرأت كتاب (حياة في الإدارة) للدكتور غازي القصيبي أم لا، فقلت له وبكل دم بارد: لا. حينها تدفق من فمه سيل من التساؤلات والتعليقات التي تنضوي حول دهشته من تجاهلي لكتاب مهم كهذا الكتاب ساخراً ومدعياً أنني مجرد قارئ صحف ومقالات وليس لي في الكتب شيء يذكر؛ وحين وجه سؤاله لي عن سبب إهمالي لهذا الكتاب قلت له أيضاً وبكل دم بارد: لأن أمثالك قرأوه، ولم يكتفوا بذلك، بل ذهبوا يحققون مع كل شخص إن كان قد قرأ هذا الكتاب أم لا. ثم تدحرج النقاش بنا رويداً رويداً حتى بلغ بنا مطلع الطرب والأغاني فقال لي هل سمعت كاظم الساهر كيف غنى أغنيته الشهيرة (زيديني عشقاً) في حفلته الأخيرة؟! فقلت له: لا، ولا أظن أنني سأسمعها يوماً لا من كاظم ولا من غيره. فثارت ثورته وقال لي ولماذا هل نزار أيضاً لا يعجبك؟! فأجبته بنعم، ثم أردفت قبل سؤاله عن السبب بالقول: وسبب ذلك أيضاً لأن أمثالك يسمعوه. فضحكنا ضحك طفلين خبيثين وكان لسان حاله يقول: أنت نفسية يا وليد، بل إنه قالها حين قلت له بصريح العبارة إنني لا أحب ما يُجمع الناس على حبه ولا أثق به، وهذه المعلومة السرية عني والتي أفصح بها هنا لم تأتِ من فراغ، بل لأنني في واقع الأمر أخشى الجماهيرية لإيماني التام بأنها أشبه ما تكون بالعمى الجماعي الذي يتحرك في فضاء الاتجاهات مهتدياً في سيره بعصا الرغبات والابتذال ومعتمداً على الكسل المعرفي والنقدي وحتى «الذوقي» وهذا يجعله -أي هذا العمى الجماعي- دائماً في حالة تلقٍ دائم خالٍ من الرغبة حتى في السؤال الذي قد يكون شرارة وصوله للقناعة التي تجعله يبرر بشكل منطقي انحيازه لأمر ما. وعوداً إلى استنتاج صديقي ووصفه لي بالنفسية فهذا أيضاً استنتاج مشروع وحق طبيعي له مبرراته خاصة في ظل ازدحام الفضاء المعرفي والفني بالغث والسمين، حيث لم تعد النفس البشرية قادرة على التمييز، ما يجعلها تلتقط ما يتوافق مع رغباتها بعيداً عن مدى جودته من عدمها. وعلى الرغم من كل ذلك، فإنني ما أزال أسأل نفسي: هل أنا فعلاً نفسية؟!