على مدار عدة عقود والقضية الفلسطينية أو كما يقول المتاجرون بها صراع عربي إسرائيلي لم يتم حسمها لطرف على حساب الآخر، وإنما الرابح الأكبر من هذه المتاجرة هم من تلاعبوا بها وأقحموا أنفسهم من دون مبرر سوى الظهور بمظهر شرطي المنطقة، وإن كانوا في حقيقة الأمر نمورا من ورق (...). ولم تثمر المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوى سفك الدماء من الطرفين، وتوارثت الأجيال المتتابعة الحاجز النفسي، فلا دولة أقيمت ولا لاجئين عادوا، ولا شرعية دولية طبقت (وأعني القرار 242)، وإنما ما حدث هو خلق حالة من العداء لمجرد العداء. ولم يقتصر هذا العداء والحاجز النفسي على الفلسطينيين والإسرائيليين فقط، بل عمّ منطقة الشرق الأوسط والدول العربية التي لا تربطها أي حدود مع إسرائيل أصلاً. ولكن نما هذا العداء من منطلق التعاطف والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وبحكم العروبة والدم. غير أن عدداً من الدول العربية وجدت نفسها بأن سياسة العداء والمقاطعة لم تجدِ، فتجاهل العدو هو في حد ذاته هزيمة، لذا بادرت عدة دول في الخليج وخارجه إلى مد جسور السلام مع تل أبيب ليس خضوعاً ولا خنوعاً وإنما من منطلق معرفة وتقييم الآخر وكسر الحاجز النفسي، وتتناول القضية الفلسطينية بوعي أكثر اتزاناً بعيداً عن الشعارات الرنانة مع الاحتفاظ بمبادرة المملكة العربية السعودية أو ما يسمى مبادرة السلام العربية 2002 ببيروت التي لا تزال الرياض تشترطها مقابل السلام مع إسرائيل. فالقضية الفلسطينية لا تحتاج لمواجهات مسلحة أو حرب ضروس من أجل حلها، أو تعقيدات في المفاوضات تؤدي إلى انهيارها وإنما تحتاج إلى مزيد من الحوار وأن يكون الطرفان يريدان سلاماً حقيقياً وعادلاً وشاملاً في منطقة الشرق الأوسط، دون تعنت الطرفين ليظهرا بمظهر المنتصر الذي يحصل على كل شيء. لقد انغرست في العقلية الفلسطينية مبادئ وأفكار بالية نتيجة الانقسامات الفلسطينية الفلسطينية وأن الحرب هي الخيار الوحيد، رغم أن العرب خسروا أربع حروب كبرى مع إسرائيل فماذا جنت هذه الفكرة حتى اليوم، وأنا على ثقة أنه لو تغيرت هذه الأفكار سوف يصلون لنتائج مختلفة تماماً. كما أن المنطقة لا تتحمل حرباً جديدة لا تبقي ولا تذر، لاسيما في ظل انكماش العديد من الاقتصادات جرّاء انتشار فيروس كورونا وأصبحت مواجهة الوباء الشغل الشاغل، من هنا أصبح السلام ملحاً، وأكثر ضرورة من ذي قبل. الإشكالية التي لا يراها الفلسطينيون أن خلق فجوة مع الإسرائيليين دفعت دولاً أخرى غير عربية ولا تعنيها من الأساس القضايا العربية الشائكة أن تركب الموجة، على غرار الفرس بهدف الوصول إلى القدس عبر بعض العواصم العربية المبتلاة بقيادات ذات انتماء مجوسي صفوي، وهذه من أكبر الأفكار المخادعة التي أفقدت القضية الفلسطينية والحوار العربي الإسرائيلي الاتجاه الصحيح. وفي الختام، فإن الحل لهذا الصراع الطويل الذي شهدته أجيال وتوفيت على إثره أجيال أخرى هو البدء الفوري في مفاوضات برعاية عربية وخليجية.