قال أرطبون العرب لابنه عبدالله: أن تكون ذا أناة فتلاين الولاة، ويقول الفيلسوف منسيوس: إن القائد هو الذي يجعل الآخرين يثقون به، أما القائد المميز هو الذي يجعل الآخرين يثقون بأنفسهم.. استقطبت هاتين المقولتين لألج في موضوع نلمسه جميعاً حول اختلاف المهارات بين المدير والقائد. ثمة أناس يتقلدون مناصب قيادية في الكثير من الجهات، سواء لقدرته أو بسبب حظه أو مكافأة لاجتهاده، لكن البعض منهم للأسف يتملكه الغرور فيرى نفسه صاحب القرارات الفذة التي لا مثيل لها من قبل، فلا يأخذ بالمشورة ولا يلين لسماع رأي غيره، ويبدأ بوضع نصوصه الشرعية التي لا ولاتَ منها ولا مناص، وربما تعود عليه فقط بمنفعة إشباع غرور غبي، أو للمصلحة العامة من غير مراعاة قدرات الآخرين أو ظروفهم أو احتياجاتهم، فيطبق النظام بنصه من غير أي تدقيق أو مراجعة أو وقفة تأمل للخروج من الصندوق، والأَمرّ والأدهى لا يعرف في قاموس حياته معنى كلمة «روح النظام» التي وضعت بعين الاعتبار حتى في نصوص القرآن. كم آلمني منظر مواهب شبابنا تُنحر بكل قسوة بسبب عدم تقدير وتشجيع رؤسائهم لهم الذين يسبق دوماً لسانهم أفكارهم، وللأسف مثل هذا المدير كثر جداً لا حصر لهم ولا عدد في مجتمعنا. لكن من تجد فيه صِفة القيادة وينادى مِن الآخرين بالقائد وهم قلة، تعرفه بحلمه وتواضعه وأدبه وصبره في المحن والفتن، تجد جلّ همه بأن يصنع من كل جندي لديه قائدا، تجده يحارب ويقاتل من أجل من هم تحت قيادته، وتجده دائماً في أول الركب وأول من ينفذ خططه، فتكون المحصلة بالتأكيد بعد ذلك أنه خُلِّد اسمه في تاريخ حياته وتجد الكثير من الناس يترحمون عليه بعد مماته أو من قبل ذلك يتأسفون على فراقه حين تقاعده، ليس مثل من يدعي أنه مدير لا يفقه سوى إلقاء الأوامر ولن يتذكره يوماً زميل أو رفيق. أُذكر نفسي دوما حين تغلبني نفسي بمقولة سيد البشرية صلّى الله عليه وسلم (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).