بعد نحو 20 عاماً في السلطة وإثر احتجاجات شعبية أجبرته على التنحي عن الحكم في 2019، غيّب الموت الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الليلة الماضية. ولد بوتفليقة يوم 2 مارس 1937 من أب وأم جزائريين في مدينة وجدة المغربية التي عاش وترعرع فيها إلى أن أنهى دراسته الثانوية. وتخلى بوتفليقة عام 1956 عن الدراسة ليلتحق في سن التاسعة عشرة بجيش التحرير الوطني، وخدم في الولاية التاريخية الخامسة بمنطقة وهران، وكلف بمهمات بعضها على الحدود الجزائرية المالية. وفي عام 1961 أوفده قائد أركان جيش التحرير الوطني هواري بومدين، في مهمة سرية إلى قلعة أولنوا للقاء قادة الثورة الخمسة التاريخيين المسجونين لإقناع أحدهم بالانضمام إلى معسكر بومدين في صراعه ضد الحكومة المؤقتة بقيادة يوسف بن خدة. لكن المقترح قوبل بالرفض القاطع من قبل محمد بوضياف والقبول التام من طرف أحمد بن بلة. بعد استقلال الجزائر سنة 1962، تخلى بوتفليقة عن مساره العسكري برتبة رائد، وانضم إلى حكومة بن بلة بحقيبة الشباب والرياضة والسياحة في سن الخامسة والعشرين. وبعد بضعة أشهر عين وزيراً للشؤون الخارجية وعمره 26 عاماً. وفي يونيو 1965، أقاله الرئيس بن بلة من وزارة الخارجية، إلا أنه عاد مجدداً لذات الحقيبة بعد الانقلاب العسكري الذي نفذه وزير الدفاع هواري بومدين، واستمر لمدة 14 عاماً. وأطلقت رئاسة الشاذلي بن جديد المتاعب ضد بوتفليقة فغادر الخارجية في 1979 وعين وزيراً للدولة دون حقيبة وبعدها بعامين طرد من اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، كما طرد هو وعائلته من الفيلا التابعة للدولة وبعدها الجزائر ولم يعد إليها إلا بعد 6 سنوات. لكنه عاد في 1987 بضمانات من الرئيس الشاذلي بن جديد بعدم ملاحقته. وشارك في المؤتمر السادس لحزب جبهة التحرير الوطني سنة 1989 وانتخب عضواً في لجنته المركزية. وفي الفترة التي عرفت ب«العشرية السوداء»، استقال الشاذلي بن جديد وتولي المجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد بوضياف حكم البلاد، رفض بوتفليقة منصب وزير مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة ومندوب الجزائر لدى الأممالمتحدة، ورفض عرضاً ثالثاً عام 1994 بتولي منصب رئيس الدولة. وفي عام 1999، تقدم بوتفليقة مرشحاً مستقلاً للانتخابات الرئاسية إثر استقالة الرئيس اليامين زروال، وفاز فيها بعد انسحاب جميع منافسيه بسبب تهم بالتزوير، وتعهد بإنهاء العنف الذي اندلع إثر إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية سنة 1991. ثم فاز بولاية ثانية أبريل 2004 بعد حملة انتخابية شرسة ضد رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، وحصل بوتفليقة على 84.99% من أصوات الناخبين. وأعيد انتخابه لولاية ثالثة في 2009، بأغلبية 90.24%، بعد تعديل دستوري ألغى حصر الرئاسة في ولايتين فقط. وفي عام 2005 داهمه المرض وتعرض لوعكة صحية، ثم أصيب في 2013 بجلطة دماغية، نقل على إثرها إلى المستشفى الفرنسي نفسه، وبقي إلى يوم عودته إلى الجزائر في 16 يوليو 2013 على كرسي متحرك. ورغم مرضه ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة سنة 2014 وفاز بها بنسبة 81.53%. وفي فبراير 2016، صادق البرلمان على تعديل دستوريي عاد فيه بوتفليقة إلى تحديد رئاسة الجمهورية في ولايتين على الأكثر، فتعالت أصوات الأحزاب الداعمة له، خصوصاً جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي، للترشح لولاية خامسة في انتخابات 2019، إلا أن الاحتجاجات الشعبية في 2019 أجهضت الولاية الخامسة له وأجبرته على التنحي.