ذرفتُ دمعاً من مقلتي بعد سنة مضى فيها كثير من المتغيرات وتواترت فيها الأحداث، لكن حدثاً واحداً ما زال عالقاً في مخيلتي إنه يوم وفاة الأمير سعود العبدالله الفيصل، يوم فقدتُ فيه أعز الأصدقاء وأنبل الأوفياء. عاشرت الرجل وأنا أتردد على قصر والده، ثم تشرفت بالعمل معه في الشركات التي كان يديرها مع إخوته مدة ليست بالقصيرة، حتى شرفني بأن أُصبح لصيقاً به. منه تبلورت تركيبة حياتي، ومن خلاله مشيت في مسيرة باقي الأعوام، وخلال هذه السنوات وأنا معه، وجدتهُ محباً للحياة ويسخّرها لمن حوله، حريصاً على والديه.. على إخوانه.. زوجته.. أبنائه.. وحتى القريبين منه؛ أصدقاء أو عاملين. لقد كان رجلاً سخيًا في العطاء، مُنكراً للذات، باحثاً عن فعل الخير لمن يعرف أو لا يعرف، رجل علاقات من الطراز الأول، وذو سجايا حسنة، من خلاله تعرفتُ على قدراتي الإدارية والتعامل مع الغير. صيف 2019، قبل وفاته بفترة، كنت معه ومع أسرته الكريمة في رحلته العلاجيه في أمريكا وأوروبا، كان عاماً مختلفاً، حرص على أخذنا إلى الأماكن التي يحبها وله ذكرى فيها، يشرح عن ذكرياته وزملاء الدراسة وأصدقائه ليُسعدنا، لم أكن أعرف أنه يودعها، شهران قضيناها كحلم السنين، استمتعنا بها ولم أعرف أنها الأخيرة مع أن أمل الحياة الجميلة كان يحيط به من كل جانب، كان تواصله اليومي الجميل من خلال الهاتف يأتي كنسمة دافئة في عز الشتاء، ناصحاً مازحاً، وتارة أخرى يسأل عن الأحوال، كان سنداً وضلعاً قوياً وقت الشدائد، وأخاً وصديقاً في كل حين. رحل وترك خلفه إرثا جميل من التواضع والعطاء والاحترام؛ والأكف مرفوعة تدعو له لصنيع عمله الذي لا يعلم به أحد (أي ذكرى تعودني بعد عام نازفات فيها جراحي). اللهم أسكنه فسيح جناتك.