بثت القنوات التلفزيونية العربية خلال شهر رمضان الكثير من الأعمال الفنية سواء الدرامية أو الفكاهية منها أو البرامج على اختلافها، وقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من التعليقات على هذه البرامج وتناولتها إما بالإيجاب أو السلب، ومن المؤكد أن ما يراه البعض سيئاً غثاً قد يراه آخرون ممتعاً ولطيفاً، ومن المؤكد أن تفاوت الآراء والأذواق أمر طبيعي بل وصحي أيضاً، إلا أنه من الضروري تحديد بعض القواعد الموضوعية عند مناقشة أعمال فنية تختلف الآراء بشأنها ولا سيما وأنها تحقق نسب مشاهدة عالية للغاية، وقد لاحظت أن جميع الآراء سواء كانت إيجابية أو سلبية لا تخرج عن كونها آراء شخصية تركز على جانب واحد متغافلة كافة الجوانب المتعلقة بتلك الأعمال ذاتها. من المؤكد أن الأعمال الفنية في جوهرها هي اقتصاد، وهذا الاقتصاد لا ينعكس في صورة أرباح فحسب، بل يتشابك مع الكثير من الجوانب الأخرى والتي قد تكون استثمارية أو سياحية أو اجتماعية، وعند تقييمنا لأي عمل فني بطريقة موضوعية يجب أن نضع تلك العوامل في الحسبان، فعلى سبيل المثال يلقى برنامج رامز جلال خلال مواسم عرضه كل عام الكثير من الانتقادات والتقليل من شأنه بصور شتى، على الرغم من أنه يحظى بنسب عالية من المشاهدة تكون في آخر المطاف في صالح الشركة المنتجة، وقد رحبت العديد من الدول بتصوير البرنامج داخل أراضيها كونه يمثل في نفس الوقت ترويجاً للنشاط السياحي فيها، وبصرف النظر عن آرائنا الشخصية تجاه هذا البرنامج تحديداً، فإن تصويره في الرياض ودمج العديد من المواهب السعودية ضمن سياق تقديمه يعتبر نوعاً من النجاح الملموس على الصعيدين السياحي والاستثماري معاً للمملكة. يمكننا أن ننظر لهذا الأمر على أنه دعاية جيدة وثقة في قوة ومتانة الصروح السياحية وبناها التحتية في المملكة، ولا سيما وأنه يأتي في وقت حرج، حيث أدى انتشار وباء كورونا لتوقف شبه كامل للأنشطة السياحية في كافة أنحاء المعمورة، ومن المؤكد أن دعم هيئة الترفيه لهذا البرنامج لم ينبع من فراغ، كما أنه من المؤكد أيضاً أن لهم رؤية ومنظوراً دفعهم لتبني هذا الدعم، وبالتالي فإن اختيار منتجي البرنامج والقائمين عليه للرياض لتصوير حلقات البرنامج ذائع الصيت فيها يعتبر نوعاً من الاستثمار السياحي الذكي الذي ينبغي الإشادة به، فالأمر لاشك يتجاوز كون البرنامج برنامج مقالب فكاهي لكونه حملة ترويج منظمة من شأنها لفت الأنظار للمعالم السياحية الجذابة في المملكة. من ناحية أخرى ومنذ توقف برنامج «طاش ما طاش» الشهير حرص بعض النقاد والجمهور على التساؤل عن مغزى هذا التوقف وانفصال نجومنا الكبار كل في برنامجه الخاص، وكأنه من الطبيعي أن يكون قدر كل النجوم أن يظلوا معاً للأبد لإرضاء الجماهير التي تعودت عليهما معاً دوماً، غير أن انفصال الفنانين عن بعضهما البعض يعد نوعاً ما من طبائع الأمور، فقد تعاون ناصر القصبي وعبدالله السدحان لما يقرب من 20 سنة وشكّلا ثنائياً رائعاً خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة، ولاشك أني كغيري أتمنى استمرارهما كثنائي مميز، غير أن هذا التمني لا يعني أنه قد يكون لكل منهما رأي مختلف، كما أن انفراد كل منهما ببرنامجه الخاص قد يكون شكل تحدياً لهما، ساهم في حثهما على المزيد من الإبداع، واستقطاب مواهب فنية سعودية جديدة تعتبر الساحة الفنية في المملكة في أشد الحاجة لها. انفصال النجوم حدث متكرر في جميع فروع الفن، وهذا الانفصال أو تفكك الفرق التي ظهرت معاً وأحبها الجمهور وتمنى استمرارها لا يعني نهاية المطاف لكل منهم، فقد يحصل الانفصال نتيجة وفاة أو مرض أحد الأطراف كما هو الحال في فرقة ثلاثي أضواء المسرح، كما أن الأمر تكرر أيضاً مع دريد لحام ونهاد القلعي، فعقب انفصالهما أبدع كل من منهما في عمله المنفرد، فقد يكون للانفصال في حد ذاته جانبه المشرق (رغم تفضيل الجمهور لاستمرارهما) وهو أن الانفصال يحفز كل منهم لتحدي نفسه وتقديم أفضل ما عنده، وبالتالي فلا يجب رفض فكرة الانفصال بحد ذاتها، لأن الاستمرار نفسه مرهون بظروف خاصة قد تتوفر وقد لا تتوفر. الساحة الفنية في المملكة لازالت حديثة عهد مقارنة بالدول الأخرى، وكما هي بحاجة إلى النقد البناء فهي بحاجة للتشجيع أيضاً، ومن غير المنطقي أن ينتقد البعض الأعمال الفنية انطلاقاً من ذوقه الفردي البحت، ولا يصح أن نعتقد بأن الرأي الشخصي هو المعيار الوحيد الصالح للحكم على الأداء، فللنقد أصوله وقواعده والتي يجب أن يشتمل على النظر لكافة أبعاد العمل الفني، وليس التركيز على جانب واحد وإهمال البقية، وفي اعتقادي أن إرساء المبادئ سالفة الذكر يمكن تطبيقها على جميع البرامج، حيث يمكننا أن نوجه لها النقد الموضوعي الشامل لنخرج بكشف حساب خاص بها يحدد -طبقاً لأسس علمية- الهادف منها من غير الهادف.