يرتبط اسم الملا صالح، ومن بعده أولاده، بحقبة طويلة من تاريخ الكويت قبل ظهور النفط وبعده، إذ كانت لهم إسهامات سياسية واجتماعية واقتصادية وتنموية مبكرة في تاريخ الكويت منذ عهد الحاكم السابع للكويت الشيخ مبارك الصباح (حكم من 1896 حتى وفاته في 1915) ومن حكم بعده وصولاً إلى عهد أبي الاستقلال الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمه الله. وأسرة الملا صالح أسرة معروفة في الكويت، وهم من ذرية محمد صالح بن عبدالله العبدالرحمن. وعلى الرغم من تضارب الأقوال عن أصولهم ما بين قائل إنهم من بر فارس، وقائل إنهم من المحمرة، وقائل إنهم من منطقة الفاو بجنوب العراق، إلا أن مراجع الأسرة تؤكد أنهم من العمارات من عنزة وأنهم نزحوا إلى الكويت في منتصف القرن التاسع عشر بقيادة جدهم محمد صالح عبدالله العبدالرحمن العنزي وسكنوا بفريج الشيوخ في حي الوسط من العاصمة (في المكان الذي يوجد فيه حاليا مسجد الدولة ومبنى البورصة). وطبقا لما ذكرته فوزية صالح بن سيف الرومي في كتابها الموسوم ب «تاريخ نزوح العائلات الكويتية العريقة إلى الكويت ودورها في بناء الدولة منذ نشأة الكويت وحتى وقتنا الحاضر» الصادر عام 2005، فإن عائلة الملا هذه تصاهرت مع العديد من العائلات الكويتية المعروفة مثل: السنان، السميط، النصف، الصالح، المرزوق، الخطيب، النفيسي، الحميضي، الشايع، الراشد، الثاقب، العدساني، المريخي، المشاري، الزبن، الزاحم، وبن سلامة. غير أن أهم مصاهراتهم كانت مع عائلة السميط من السبعان، لأن عميد الأسرة «محمد صالح عبدالله العبدالرحمن» خطب لأبنه محمد فتاة من عائلة السميط هي «لطيفة بنت محمد الناصر السميط التي أنجبت لزوجها في عام 1878 ابنا أطلقوا عليه اسم صالح تيمنا باسم جده. وصالح هذا هو من عرف لاحقا باسم «الملا صالح» لأنه راح في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر يتردد على مسجد وديوان الرزاقة (ملتقى رجال العلم الشرعي آنذاك) ويغرف منهم علوم الدين والفقه حتى صار «ملا» وهي كلمة عادة ما تطلق في الكويتوالعراق على الملمين بالعلوم الشرعية والفقهية. فريج الشيوخ وهكذا فإن الملا صالح أبصر النور في فريج الشيوخ بحي الوسط، لكنه نشأ في فريج السبعان حيث كان يسكن جده لأمه، قبل أن ينتقل إلى المنطقة المعروفة بدروازة العبدالرزاق (طبقا لموقع تاريخ الكويت). نشأ الرجل يتيما لأن والده توفي وهو في سن الثامنة، فتكفله بالرعاية عمه راشد الملا. وكحال أطفال عصره التحق بأحد الكتاتيب فحفظ القرآن الكريم وعلومه والقراءة والكتابة والحساب على يد معلمي ذلك الزمن ومنهم الشيخ محمد الفارسي. وفي فترة لاحقة عاش في كنف حاكم الكويت الخامس عبدالله بن صباح الملقب بالشيخ عبدالله الثاني الصباح (حكم من 1866 إلى 1892)، ومن ثمّ في كنف حاكم الكويت السادس الشيخ محمد بن صباح (حكم من 1892 وحتى مقتله في 1896)، ثم رعاه الحاكم السابع الشيخ مبارك الصباح حتى كبر وشبّ. وخلال هذه الفترة نهل المزيد من المعارف المتنوعة على يد خيرة أساتذة ذلك الزمن كما أنه سافر إلى الهند حيث درس بعض العلوم المتقدمة كالإنجليزية في جامعة عليكرة، ما مكنه من شق طريقه في الحياة معتمدا على نفسه بعصامية فذة. ومن علامات ذلك أنه عمل في تجارة سلع كثيرة قبل أن يتخصص في تجارة الكبريت وهو شاب يافع، ثم سافر إلى المحمرة في إمارة عربستان حينما كانت تحت حكم «آل مرداو» الكعبيين حيث عمل هناك بوظيفة كاتب لدى عثمان التمار، الذي كان وكيلا لشيوخ الكويت في المحمرة، إلى أن قام الشيخ مبارك الصباح بإغلاق وكالة الكويت في المحمرة. سكرتير الحاكم والمبعوث الخاص بلغت أخبار نجابته وألمعيته (بمقاييس ذلك الزمن المبكر) أسماع الشيخ مبارك الصباح، فأعاده من المحمرة إلى الكويت وعينه وهو في سن الحادية والثلاثين كاتبا صغيرا في مكتبه، قبل أن يرقيه في عام 1906 إلى منصب سكرتيره الخاص (السكرتير الأول للحكومة) بعد أن لاحظ همته ونشاطه وإخلاصه، فكانت تلك بداية لبروزه سياسيا. فمن بعد سنوات قضاها في وظيفة سكرتير الحاكم أو سكرتير الحكومة، عينه الشيخ مبارك الصباح مبعوثا رسميا خاصا له إلى الدول المجاورة، وظل ممسكا بهذه الوظيفة في عهد الحاكم التالي الشيخ سالم المبارك الصباح (حكم من 1917 وحتى وفاته في 1921) وفي العهود التالية حتى عام 1941، علما أنه رافق ولي العهد الشيخ عبدالله السالم الصباح إلى بريطانيا عام 1953 حينما ذهب الأخير موفدا من الشيخ أحمد الجابر الصباح لتمثيل الكويت في حفل تتويج الملكة اليزابيث الثانية. صلاحيات ونفوذ وصل نفوذه حد اقتراحه أسماء لشغل المناصب الشاغرة، كما فعل حينما زكى الشيخ عبدالعزيز قاسم حمادة ليحل محل القاضي الزبيري المستقيل الشيخ عبدالمحسن بن إبراهيم أبابطين، ثم حينما استجاب لطلب الشيخ حمادة بأن يكون الشيخ أحمد عطية الأثري مساعدا له. كما أن صلاحيات الملا صالح شملت تخويل الحاكم له بعقد الصفقات مع البعض مثل صفقة أو مقاولة احتكار شراء مصارين الذبائح من الأسواق من أجل تسويقها في الخارج (طبقا لكتاب من هنا بدأت الكويت). عداء الحاسدين ولهذه الأسباب، معطوفة على ثقة الحاكم به، كثر حساده، وضمر له البعض الكراهية وصنفوه في خانة المتنفذ الذي يقدم التقارير السرية للحاكم ويوغر صدره على النشطاء المطالبين بالإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية في السلطة ويقوم بالدسيسة بين الطرفين، ويلفق الأكاذيب ضد بعض الموظفين، على نحو ما كرره الوزير والسفير السابق خالد سليمان العدساني أكثر من مرة في مذكراته عن الفترة التي شغل فيها وظيفة عضو وسكرتير المجلس التشريعي الأول والثاني سنة 1938، ولم يكتفِ العدساني بذلك وإنما لمّح إلى قيام الملا صالح باستغلال منصبه للإثراء والمنافع الشخصية، وألقى بكل أسباب فشل المجلس التشريعي، ومن قبله المجالس البلدية المنتخبة، على الملا صالح ومن أسماهم بالحاشية المتنفذة، متهما الملا صالح بالتدخل في الانتخابات البلدية وتزوير النتائج وشراء الذمم لتفويز ابن أخته «نصف اليوسف النصف» ووضعه على رأس المجلس البلدي كبديل له (أي للعدساني). هذا على الرغم من أن العدساني ناقض نفسه حينما اعترف في أكثر من موضع بأن الخلافات بين أعضاء المجالس التشريعية والبلدية لأتفه الأسباب واهتمامهم بمصالحهم التجارية ورضوخهم لأهوائهم الشخصية كانت كثيرة وهي التي عطلت الأعمال. معارضة المجلس التشريعي يقول عبدالله خالد الحاتم في كتابه «من هنا بدأت الكويت» (مطبعة دار القبس/ الكويت/1980) ما مفاده أنه حينما وافق الشيخ أحمد الجابر الصباح الملقب بجابر الكبير (حكم من 1921 وحتى وفاته عام 1950) في يوليو 1938 على مقترح ممن أطلقوا على أنفسهم اسم «كتلة الشباب الوطني» لتأسيس مجلس تشريعي منتخب، وبعد أن أجريت الانتخابات وفاز فيها 12 عضوا من أعضاء هذه الكتلة، ضغطوا باتجاه التخلص من الملا صالح الذي كان معارضا لفكرة المجلس التشريعي، فغادر الأخير الكويت متجها إلى بغداد حيث أقام لبعض الوقت. العودة للكويت وبعد أن دبت الخلافات بين أعضاء المجلس أنفسهم من جهة، وبينهم وبين الحكومة من جهة أخرى، وبعد أن عمدت الحكومة إلى حل الكتلة وختم مقرها بالشمع الأحمر، عاد الملا صالح إلى الكويت ليمارس وظيفته السابقة حتى سنة 1941. ففي هذه السنة عينه الشيخ أحمد الجابر مديرا لدائرة الجوازات فكان أول كويتي يشغل هذه الوظيفة في تاريخ البلاد حتى وفاته في أغسطس سنة 1958. فيما آلت وظيفة سكرتير الحكومة (رئيس كتاب الحكومة) المختص بالمراجعات والمكاتبات السياسية بين الكويت والجهات الخارجية إلى ولده عبدالله حتى تاريخ وفاته في يونيو 1955، ثم إلى ابنه بدر بن عبدالله حتى عام 1962، علما بأن بدر بن عبدالله (حفيد الملا صالح) المولود عام 1937 أصبح بعد الاستقلال مديرا لدائرة الخارجية عند تأسيسها كما تولى منصب القنصل الفخري لمملكة النرويج لدى الكويت إلى حين وفاته في بيروت في يونيو 1969، فخلفه في منصب القنصل أخوه نجيب عبدالله الملا. إجازة وثائق السفر ويحدثنا الباحث والكاتب في التراث الكويتي د. يعقوب الغنيم في مقال له بجريدة «الجريدة» الكويتية (24/6/2012) عن تاريخ الجوازات الكويتية والتنظيم الذي كان معمولا به زمن الملا صالح، فيقول ما مفاده إن وثائق السفر في الكويت آنذاك كانت بسيطة جدا وأن من يرغب في السفر كان عليه الذهاب إلى مكتب الملا صالح، فيقوم الأخير بكتابة خطاب موجه إلى المعتمد السياسي البريطاني في البلاد يضمنه اسم طالب الجواز وجنسيته وشهادة عدم ممانعة من السفر، ويعطيه الخطاب ليتوجه به إلى المعتمدية البريطانية التي تزوده بالمطلوب بعد دفع رسوم بمبلغ روبية واحدة. وقد استطرد الغنيم قائلا إن وثائق السفر في تلك الحقبة كانت مجرد ورقة بطول 30 سنتيمترا يعلوها شعار الإمبراطورية البريطانية وتحمل صورة صاحبها إذا كان ذكرا، ومن غير صورة إذا كانت صاحبة الوثيقة أنثى، وكانت صالحة للسفر لمدة عام واحد فقط. لكنه أوضح أن وثائق السفر إلى كل من المملكة العربية السعودية وإيران كانت مختلفة وتصدر من قبل حاكم الكويت. فالنسبة للسعودية كانت الوثيقة ورقة صغيرة ويعلوها الشعار القديم للكويت (علمان أحمران متعاكسان)، وتصرف مقابل روبيتين، وتتضمن تأشيرة تقول «إن فلان الفلاني من رعايا الكويت فيرجى تسهيل سفره». أما بالنسبة لإيران فكانت الوثيقة تسمى (علم وخبر) وتكتب بالصيغة نفسها مقابل روبية واحدة. ذريته بين التجارة والعمل الحكومي اقترن الملا صالح بأكثر من امرأة، فأنجب ابنه البكر محمد (محمد الأول) الذي لم يعش طويلا، ثم أنجب ابنا آخر أطلق عليه نفس الاسم وهو محمد صالح الملا (ولد عام 1940 ودرس في لبنان واختار طريق التجارة وترأس النادي العربي لأول مرة عام 1969 ثم من عام 1992 إلى 1995، وهو عضو فخري في نادي الهلال والشباب السعوديين ونادي الوصل الإماراتي ونادي ظفار العماني، وعضو شرف في أندية الزمالك والأهلي والترسانة المصرية). أنجب محمد صالح الملا (محمد الثاني) ابنا سماه صالح. وهذا الأخير نشط في المجال السياسي وحاز على مقعد في مجلس الأمة سنة 2008. غير أن الأكثر شهرة من بين أبناء الملا صالح هو ابنه عبدالله من زوجته الأولى والذي ولد في عام 1915 وكان ضمن أول 300 طالب كويتي يلتحقون بالمدرسة التبشيرية الأمريكيةبالكويت سنة 1930، ما مكنه من إجادة الإنجليزية إجادة تامة. والحقيقة أن عبدالله ملا صالح الملا لم يخلف والده في وظيفة سكرتير الحكومة فحسب، ولم يترقَ فيها ليصبح في مقام وزير للشؤون الخارجية مسؤولا عن علاقات الحكومة مع شركات النفط، ومرافقا للشيوخ أحمد الجابر الصباح وعبدالله السالم الصباح وعبدالله المبارك الصباح رحمهم الله في رحلاتهم السياسية والخاصة فقط، وإنما فوق ذلك نشط في المجال التجاري أيضا. فمع اكتشاف النفط في عام 1938 ودخول الكويت في حقبة جديدة من التنمية الاقتصادية والمعيشية أدرك مبكرا، بوعيه وبصيرته واستشرافه للمستقبل، حاجة بلده ورجال الأعمال لجميع أنواع التكنولوجيا والسلع ووسائل النقل الحديثة، فقام بتأسيس «مجموعة الملا» التي توسعت وتمددت وغطت قطاعات عديدة مثل: السيارات والأجهزة البيئية ووسائل الأمن والسلامة والأجهزة المكتبية والخدمات الهندسية ومجال الاستشارت والمعلوماتية وغيرها. البداية كانت في عام 1938 حينما افتتح عبدالله الملا مع جمال صالح متجرا صغيرا للأجهزة الإلكترونية والأدوات المنزلية في ساحة الصفاة، ما لبث أن حقق نجاحا مذهلا وهو ما دفعه في عام 1947 إلى تأسيس مؤسسة تجارية أشرك فيها ابنه بدر الملا، وتولت استيراد وتوزيع سيارات كرايسلر الأمريكية. وبعد وفاته في عام 1955 آلت قيادة المؤسسة إلى ابنه بدر حتى وفاة الأخير في عام 1969 حينما استلم الراية الابن الآخر نجيب عبدالله الملا الذي أدخل في عام 1972 إلى الكويت والشرق الأوسط لأول مرة سيارات ميتسوبيشي اليابانية ونماذجها الرياضية وذات الدفع الرباعي، التي حققت مبيعات كبيرة، بل وصارت العلامة الثانية الأكثر مبيعا في الكويت بسبب حجمها واقتصادها للوقود. سكرتير الحكومة.. السير وخان بهادور عُرف الملا صالح، بعيدا عن كل ما روجه عنه خصومه وحساده، بالكرم والسخاء وغير ذلك من الخصال الحميدة التي يمكن الاطلاع عليها بالتفصيل في كتاب من تأليف الباحث محمد إبراهيم الشيباني أصدره مركز المخطوطات والتراث والوثائق بدولة الكويت في عام 2003 تحت عنوان «سكرتير الحكومة». ومن معالم الكويت التي تنسب إليه مسجد ملا صالح الملا الواقع على الضفة الجنوبية من شارع فهد السالم بمنطقة الصالحية والذي بناه الشيخ مبارك الصباح على نفقته الخاصة سنة 1919، وقد قامت وزارة الأوقاف بتجديده وترميمه عام 1953. هذا علما أن منطقة الصالحية الراقية سميت بهذا الاسم تخليدا للملا صالح وتقديرا لخدماته الجليلة للكويت، كما يوجد للأسرة ديوان أثري قديم بشارع الخليج العربي. ومن التقديرات التي حصل عليها الرجل لقب «سير» ولقب «خان بهادور» من قبل الحكومة البريطانية، وهما لقبان لا تمنحهما بريطانيا إلا للأشخاص الذين لهم دور بارز في التقدم الحضاري لبلدانهم. علاوة على ذلك، اقترح شايع الشايع نائب رئيس المجلس البلدي في الكويت في عام 2010 إطلاق اسم الرجل على أحد شوارع البلاد، قائلا في مقترحه «حرصا منا على تكريم رجالات الكويت وأبنائها المخلصين الذين قدموا خدمات جليلة لهذا الوطن العزيز، أتقدم اليكم باقتراح لإطلاق اسم العم ملا صالح الملا على أحد شوارع الكويت». عدا عمن تمّ ذكرهم من الشخصيات التي تنتمي إلى أسرة الملا صالح، هناك ابنته الناشطة الاجتماعية والحقوقية لولوة ملا صالح الملا (عملت في الأعمال الحرة على مدى ثلاثة عقود وترأست مجلس إدارة الجمعية الثقافية النسائية، ونالت وسام جوقة الشرف من فرنسا عام 2017). وهناك أيضا حفيدته السفيرة نبيلة عبدالله ملا صالح الملا (درست في الكويت والجامعة الأمريكية في بيروت فحصلت على شهادات عليا في السياسة والعلاقات الدولية. وهي أول سفيرة في تاريخ الدبلوماسية الكويتية حينما عينت سفيرة لدى زيمبابوي عام 1993، كما أنها أول عربية ومسلمة تعمل سفيرة لبلدها في الأممالمتحدة عام 2004، علما أنها تقلدت منصب سفيرة في أكثر من 12 دولة كان آخرها سفيرة لدى بلجيكا والاتحاد الأوروبي).