لا تخلو الحياة الزوجية من المشاكل مهما بلغ الود بين الزوجين، وبقدر تفهمهما لطبيعة الحياة تتلاشى الأخطاء البسيطة ويحل الغفران محل النكران والألفة بدلًا من الترصد، ولكن مع تسارع الحياة وتشابك الضغوط النفسية والأسرية يقع سوء التفاهم والذي قد يتفاقم حتى يصل إلى تدمير الحياة الزوجية. وهنا يبرز دور الإرشاد الأسري سواء الذي تُقدمه وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، أو بعض الجمعيات الأهلية أو الأطباء النفسيين والخبراء في العلاقات الزوجية، ليقدموا للزوجين الحلول التي يحتاجونها من واقع العلم والخبرة. ورغم أهمية هذه الاستشارات على استقرار الأسرة إلا أن الوعي بأهميتها لا يزال ضعيفًا، سواء كان ذلك بسبب الخوف من الوصمة أو التقليل من أهميتها واعتقاد كل طرف أنه أدرى بشؤون أسرته، ويؤدي ذلك إلى استمرار الأخطاء وتراكمها، ولا يتم اللجوء إلى الاستشارة إلا بعد تعقد الأمور والوصول لطريق مسدود. وما لا يدركه كثير من الناس أن الاستشارات الأسرية تساعد -بالفعل- في علاج مشكلات كبيرة وتمثل دعمًا حقيقيًّا للأسرة في كثير من الأحيان، خاصةً أن المشكلات التي تحدث عادة بين حديثي الزواج أو تلك التي تتعلَّق بالممارسات الخاطئة في تربية الأبناء، تتطلب أن يتم حلها برؤية أكثر خبرة، حتى لا تتفاقم. الإرشاد الأسري يعتبر الإرشاد الأسري، مفهوم حديث ظهر في الدراسات الاجتماعية، بعد أن طغت تغيرات واسعة ومتسارعة على المجتمعات الإنسانية، ويهدف الإرشاد الأسري لمعاونة الشخص من خلال علاقة مهنية بين المرشد والمسترشد، تحكمها مبادئ وأخلاقيات. ولأجل ذلك اهتمت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بهذا المجال عبر مركز الإرشاد الأسري التابع لها، ليتعامل بطريقة مهنية وعلمية مع المشكلات التي يواجهها بعض أفراد المجتمع وتقديم الإرشادات المناسبة لهم للحفاظ على توازن الأسرة واستقرارها، وفق رؤية علمية تتماشى مع طبيعة مجتمعنا، كما يسعى مركز الإرشاد الأسري إلى توفير التعامل بأمان مع المشاكل الاجتماعية مبكرًا، من أجل التقليل من ضررها. ومن أبرز المشكلات التي تتطلب اللجوء إلى هذه الاستشارات؛ مشكلات العنف الأسري، وكذلك التصدع الأسري، مشاكل الأبناء والخلاف بين الزوجين. مشاكل تربوية كما يمكن اللجوء إلى «الإرشاد الأسري» مع بعض المشكلات الشخصية أو التربوية لأحد أفراد الأسرة، مثل مشكلات الطفولة والمراهقة، أو انحراف الأبناء واتجاههم نحو الجريمة، أو إيذاء النفس أو محاولة الانتحار، أو إلحاق الضرر بالآخرين، أو تعاطي المخدرات أو المنشطات، أو إدمان الكحوليات، والانحراف الجنسي، بالإضافة إلى المشكلات العاطفية، والمشكلات النفسية (مثل الاكتئاب، الرُهاب الاجتماعي، القلق والوسواس). وتستطيع الاستشارات الأسرية أن تساعد الآباء كذلك في حل المشكلات الدراسية، مثل تحديد نوعية التعليم المناسب، وأخذ القرار بالانتقال من مؤسسة تعليمية إلى أخرى، والتعامل مع مشكلات سوء التكيف الدراسي، وضعف أو سوء التحصيل الدراسي، والهروب من المدرسة. ويتعامل مركز الإرشاد الأسري كذلك مع بعض المشاكل الشرعية، مثل الأفعال المنحرفة، كما يقدم استشارات شرعية لها علاقة بالأمور الاجتماعية. ويستهدف عمل المركز بشكل أساسي: الأسر التي قد تتعرض للتفكك بكافة أنواعه، المطلقات والأرامل اللاتي لديهن أبناء لا يقدرن على التحكم بهم، والآباء الذين لا يجيدون توجيه أولادهم، وحديثي الزواج الذين بحاجة لما يساعدهم على عدم استقرار أسرتهم والبعد عن المشاكل، الفتيان والفتيات الذين يكونوا عرضة للإيذاء، وأسر المسجونين ودعمهم لتجاوز الصعوبات التي تواجههم في ظل غياب ولي الأمر، وعائلات المدمنين أو متعاطيي المخدرات وأقاربهم لمعاونتهم في التعرف على الطريقة الأفضل للتعامل مع هذه الحالات، والمحتاجين للخدمات الاجتماعية لتنويرهم بطرق الحصول عليها. تطورات الحياة وبالإضافة لهذه المشاكل الأسرية الاعتيادية يوضح رئيس مجلس إدارة جمعية المودة للتنمية الأسرية بمنطقة مكةالمكرمة المهندس فيصل السمنودي، أنه ظهرت مشكلة حديثة تتمثل في انشغال أحد الزوجين بمنصات «السوشيال ميديا»، واستخدام الهاتف المتنقل لمدة طويلة، فيهمل واجباته تجاه الطرف الآخر، كما أن هناك مشكلة أخرى تسببها منصات التواصل الاجتماعي تتمثل في إجراء مقارنات متواصلة بما يتم مشاهدته في هذه المنصات بوضعه الحالي. ويشير رئيس «مودة» إلى أن نسبة الاستشارات الاجتماعية التي تتلقاها الجمعية من إجمالي عدد الاستشارات تبلغ أربعين بالمئة، وأن أي حالة تصلهم يتم التعامل معها بخصوصية وسرية تامة، لدرجة أنه لا يتم طلب الأسماء، ويكون الرد عليها عن طريق مستشارين تخصصهم الإصلاح والإرشاد الأسري، وهم يملكون الكفاءة التي تؤهلهم لتولي هذه المهمة. كما أن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية توفر خدمات الإرشاد الأسري والاجتماعي للوقاية من العنف وكذلك تلقي البلاغات عبر مركز بلاغات العنف الأسري 1919.