هل هي حرب عبثية تلك التي تشنها منذ أكثر من عامين أذرع اليسار الغربي على المملكة العربية السعودية وعلى صورة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؟ الإجابة بكل بساطة «لا»، فمن السهل على أي محلل مهتم بالشأن السياسي أن يرى بوضوح كم هي حرب منظمة لها مخططوها وموجهوها وداعموها والمحتفلون بها، ولكل فئة من هذه الفئات أهدافها ومصالحها التي يمكن تفكيكها. شكّل بزوغ نجم الأمير محمد بن سلمان وإطلاق مشروع رؤية 2030 نقطة تحول فارقة في منطقة الشرق الأوسط الغارقة في مشكلاتها وتعقيداتها وسوء إدارة ثرواتها الذي يخدم بشكل أو آخر مصالح جهات دولية متعددة، وهو الأمر الذي جعل من الأمير ورؤيته تهديداً جديداً لموازين القوى ليس على مستوى المنطقة فحسب بل العالم، فليس من صالح القوى المستفيدة من مرض المنطقة أن ينطلق مشروع نهضوي بهذا الحجم وبقيادة شابة تعيد صياغة المشهد وترتيب امتيازات تلك القوى في هذه البقعة الساخنة من العالم. توافق كل ذلك من عداوات إقليمية موروثة للسعودية وحروب باردة مستمرة منذ سنوات وهو ما وحدّ خصوم الرياض في خندق كبير، إذ منهم من يظهر في الصورة كعدو مباشر موجهاً أسلحته لها دون مواربة، ومنهم من يعمل على دعمه في الخفاء محاولاً التخفي بمظهر الحياد، ومنهم من يعمل على تسهيل مهمة كل من يستهدف السعودية ومشروعها النهضوي التاريخي وفي الوقت ذاته يقدم نفسه كصديق مخلص لها وداعم لرؤيتها ومتحمس للمشاركة فيها. سياسياً لا نظرية تعلو على قاعدة «المصلحة أولاً»، وكثير من القوى الغربية لديها توجس من أي مشروع حقيقي في منطقة تسبح على بحر من النفط وتتحكم في جزء مهم من اقتصاد العالم، وما يخدمها وفق تصوراتها القديمة هو أن تستمر معاناة هذه المنطقة من الفراغ والتشرذم وضعف الإدارة والصراعات غير المتناهية، إذ إنه في هذه الحال يمكن التلاعب بموازين القوى فيها بشكل دائم والتفاوض مع المنافسين على تقاسم امتيازاتها، الأمر الذي يبقيها كنزاً مفتوحاً وسهلَ المنال عند الحاجة، ولا شيء قد يهدد هذا الوضع سوى قيام مشروع نهضوي حقيقي وبروز قوة تقلب المشهد الإقليمي كاملاً كما حدث في السعودية أخيراً. التقارير والأخبار الصفراء التي تستهدف شخصية الأمير محمد بن سلمان في إعلام اليسار الغربي حالياً سلاح ضغط هدفه إيقاف عجلة مشروعه أو في أسوأ الأحوال محاولة الحصول على امتياز إدارة المشروع والتحكم في مخرجاته، هكذا ببساطة، مع اللعب بشكل موازٍ مع التهديدات القائمة في المنطقة (المشروع الإيراني، المشروع التركي)، لكن هذا لن يحدث ولن تتمكن هذه الحرب من إعاقة المشروع السعودي الكبير؛ لأن رصاصة المصالح الكبرى ما زالت في جيب «الرياض»، كما أن للسعودية تركة سياسية تاريخية ورؤية مستقبلية قادرة على تجاوز التحديات وإدارة الصراع لمصلحة شعبها ومستقبله أولاً وأخيراً. كاتب سعودي Hani_DH@