بات من الواضح أن كل حوار جديد لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الصحافة الغربية لا يمكن أن يمر دون أن يضرب أعداء السعودية في العمق، ويشغل الساعات الطوال من النقاش والتحليل والتحريف أيضا في نشرات أخبارهم، ليس هذا فحسب بل إن تصريحات سموه تنزل كالسياط على ظهور أعداء الداخل من الظلاميين والفاسدين الذين يفزعهم ضياء رؤية 2030، ويحاولون إخفاء مواقفهم الحقيقية منها والتلون بكل لون بهدف عبور عنق الزجاجة بأقل الخسائر الممكنة، مع الاحتفاظ بآمالهم في فشل التحول الوطني وعودة الأمور إلى ما كانت عليه، وهذا بالطبع «حلم إبليس بالجنة». ميزة تصريحات الأمير أنها واضحة ومباشرة وفي منتهى الصدق والإقناع؛ لأنها تحترم العقل وتستخدم المنطق ومعطيات الواقع في تفسير كل إجراء أو خطوة جديدة، ولا تركن إلى النظريات المفتوحة واللغة المواربة، وهذا أمر صعب لمن لم يعتد عليه، فلا يوجد للسياسة السعودية اليوم وجهان، وجه للداخل وآخر للخارج كما هو حال كثير من الدول.. هو وجه واحد ناصع البياض لسياسة شجاعة، محور اهتمامها المصلحة الوطنية ومستقبل الدولة وشعبها، وقد تجلى ذلك بشكل كبير في اللقاء الذي أجراه مع سموه الصحفي الشهير «جيفري غولدبيرغ» ونشرته «ذي اتلانتيك» الأمريكية أمس الأول، إذ تناولت إجابات الأمير آراءه وتوجهات الدولة في قضايا متعددة منها ما هو متعلق بالسياسة الخارجية، ومنها ما يكشف الستار عن ملامح خطوات القيادة لعلاج بعض القضايا الداخلية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر. في وسط اللقاء المثير الذي لا يمكنني بالطبع تناول كل جزئياته في هذه المساحة حاول «غولدبيرغ» بدهاء أن يحرج الأمير بتوجيه سؤال على شكل اتهام حول الحرب في اليمن، فجاء رد الأمير عظيما وبأسلوب فلسفي يفهمه ويحبه المتابع الغربي.. ذلك الأسلوب الذي يشبه إلى حد كبير النقاشات الفلسفية على ألسن أبطال الأعمال الأدبية والسينما الإبداعية؛ إذ قال باختصار: «في بعض الأحيان في الشرق الأوسط لا يكون لديك قرارات جيدة وقرارات سيئة.. في بعض الأحيان يكون لديك قرارات سيئة وقرارات أسوأ.. في بعض الأحيان يتعين علينا اختيار الخيار السيئ.. نحن لا نريد المجيء إلى هنا، بصفتنا المملكة العربية السعودية، لتُطرح علينا هذه الأسئلة.. نريد أن تُطرح علينا أسئلة عن الاقتصاد وعن شراكاتنا وعن الاستثمار في أمريكا، والتنمية في المملكة العربية السعودية.. نحن لا نريد أن نقضي حياتنا في النقاش حول اليمن.. هنا لا يتعلق الأمر بمسألة الاختيار. بل يتعلق بمسألة الأمن والحياة بالنسبة لنا». كان يمكن للأمير أن يجيب عن السؤال بعبارة واحدة من 4 كلمات هي «اضطررنا للحرب حماية لأمننا»، لكنه فضل أن يجيب بهذا الأسلوب؛ لأنه يفهم شخصية محاوره ويفهم نفسية الجمهور الذي سيقرأ الإجابة، ويعرف جيدا كيف يخاطبهم بشكل يضع الحقيقة كما هي على الطاولة، ويدفعهم لرفع القبعة احتراماً، فيما يسبب المزيد من الجلطات لأعداء السعودية في كل مكان. * كاتب وإعلامي سعودي Hani_DH@ [email protected]