«سواء أعجبك أم لا.. الحب مفيد لك»، هكذا اختتم العالم الانثربولوجي الإيطالي داريو مايستريبيري مقالته الشهيرة «التاريخ التطوري للحب: ما هو الحب ومن أين يأتي؟». يقول داريو إن الحب شعور، ولفهم هذا الشعور علينا أن نضعه في السياق الأوسع للوظيفة التطورية للعواطف في حياة الكائنات، فنحن إذا مررنا بمشاعر إيجابية أو سلبية قوية، فإننا نصبح متحمسين لفعل شيء مفيد أو نتجنبه. الشعور بالحب تحديدا يشكل دافعا قويا للبقاء. وقد شبه داريو هذا التطور الشعوري عبر التاريخ بمحاكاة الإنسان لسلوك الطيور وكيف لهذا الالتقاء أن يحفظ حياة هذه الكائنات ويحمي صغارها. فهو يرى أن الحب له تأثير اجتماعي وأيضا على مستوى الفرد نفسه، حيث يؤكد أن الشراكة العاطفية تنظم استجابات الجسم للتوتر، بل أكد أن الروابط بين الشركاء العاطفيين تشبه كثيرا الروابط الكيميائية بين الأم وأطفالها. من منظار آخر، تناقش الباحثة النسوية الأسترالية هيذر فريزر أن مفاهيم الحب يتم في كثير من الأحيان توظيفها بشكل عنيف أو قسري، حيث طرحت في عدد من الأوراق العلمية الجديرة بالاطلاع مقاربات علمية عن خطورة التعنيف من خلال الحب، في ورقتها المعنونة ب(باسم الحب: روايات المرأة عن الحب والتعسف) عرضت كيف يكون الحب وسيلة تعنيف بين أفراد الأسرة والشركاء العاطفيين، أما ورقتها الثانية (الحب مثل المرأة: قصص حب رومانسية وشابات في رعاية الدولة) فحفزت النقاش حول مفهوم الحب للباحثين الاجتماعيين من خلال الالتقاء مع خمس أخصائيات اجتماعيات ومراجعة الأدبيات حول الحب وتأملات في النصوص الموجهة للنوع الاجتماعي، وجدت فريزر أن الكثير من التعنيف واللوم تحديدا يتكرر في عبارات عينتها البحثية، وأخرجت ورقة ثالثة بعنوان (العيب عليك)، وكانت منهجية السرد وجمع القصص هي الغالب في عملها حول مفهوم الحب. الجدير بالذكر أنني اجتهدت كثيرا للحصول على أوراق علمية تتناول مفهوم الحب من سياق سعودي ولم تكن نتيجة البحث مرضية. في السياق الآسيوي طرحت الباحثة فرانشيسكا أورسيني اهم العوامل التي تشكل مفاهيم الحب في كتابها «الحب في جنوب آسيا: تاريخ ثقافي» حيث قالت: «قد يكون الحب شعوراً عالمياً، لكن الثقافة واللغة تلعبان دوراً حاسماً في تعريفه. لمصطلحات الحب تاريخ طويل، وفي كل مجتمع يوجد دائماً أكثر من خطاب واحد، سواء كان توجيهياً أو دينياً أو خاصاً بالنوع، متاحاً في أي وقت»، الكتاب يستجمع الفن والصور والقصص التي تمثل هذه المفاهيم وتوثق أهم ما كتبه العلماء حول الحب في ثقافتهم، بلا شك أن هناك كتابات متفرقة حول المفهوم في السياق المحلي لكن يندر أن تجد مرجعا موثقا، والأهم تظل المقاربات المعرفية حول مواضيع الجندر خجولة ولا ترتقي لأن يعتد بها بحثيا من وجهة نظري. ماذا عن السياق المحلي؟ هل نحن نعيش اختناقا معرفيا اذاً ام اختناق مشاعري؟ وكيف نفسر للناس مشاعرهم وكيف نخفف من مفاهيم (اللوم والعتاب والترصد)، وكيف تم اختطاف مفاهيم إنسانية عميقة وتمييعها داخل قوالب (دروشة الطاقة) ومجهولي التخصصات وبين الخطابات المتزمتة التي استنزفت السعوديين لسنوات، وجعلت مفهوم كالحب يدخل في باب العيب والنزوات، رغم أصالة الشعور في الانسان السعودي عبر التاريخ وعذوبة ورقة عاطفته، الصحوة عبثت بالمشهد الشعوري لكثير من الأشخاص وخلقت حالة من الهلع بين الجنسين وحتى أفراد الأسرة أنفسهم تستطيع ان ترى تبعاتها للآن. «لا نعبر ولا نعرف كيف نعبر للأسف اكتشفت أني لست الوحيد الذي يستطيع أن يقول لأمه أحبك الواحد يستحي ليه ما ادري» عبارة استوقفتني عند عرضها لمغرد بمعرف (طارق74)، في فقرة الناس تسأل من برنامج في الصورة تحديدا في استضافة الطبيب النفسي الدكتور مشعل العقيل الذي عزا انخفاض القدرة على التعبير عن المشاعر او انعدامها للعديد من العوامل وذكر على سبيل المثال مفهوم (الهيبة المشوهة) وأيضا مفهوم (القلق الاجتماعي)، اللقاء ناقش فكرة التعبير عن المشاعر ولعلها بادرة لقراءة هذه المشكلة من خلال رؤية محلية ومعرفة تبعاتها، واعني بالمشكلة الرهبة من قول كلمة (أحبك) وكيف يخاف الانسان ان يخبر أمه بأنه يحبها!، أتذكر هنا عبارة قديمة كنت قد شاركتها (نحن لا نخجل من التصريح بالكراهية ويخيفنا إعلان الحب). أخيرا، وهذا هو اليوم الأخير من السنة 2020 التي انتهت بحلوها ومرها ورحلت معها الكثير من الذكريات تذكر من تحبهم، وهي بلا شك سنة مختلفة لا أستطيع وصفها بالجيدة أو السيئة حتى لا أوجه مشاعر أحد، و لعلها كانت مرهقة للبعض ومنصفة للبعض الآخر، لعل القليل من المحبة والتصافي للنفس أولا والآخر ثانيا يمنحنا فرصة لأن نبدأ 2021 بنوع من التوازن، صافحوا قلوبكم بالشغف واستقبلوا عامكم بالرضا، اخفضوا سقف التوقعات بالآخرين والأشياء، ولا تراهنوا على شيء حتى أنفسكم تصالحوا مع فكرة التغيير وكونوا شجعان حين اتخاذ قرار المغادرة. كاتبة سعودية [email protected]