وفاء آل منصور - نجران التقيتها بين أروقة الجامعة، بعد سنة ونصف من آخر لقاء لنا، لأجدها منهكة المشاعر، غريبة الأطوار، وحيدة الحال، متقلبة بين الصمت والكلام، تشعر بالاضطهاد النفسي بين خفايا شخصيتها المضطربة، وجدتها تحاول اللجوء العاطفي لأي شخص يدب الحياة في قلبها مجدداً. لنتجالس، ويأخذنا الحديث لمنحنى آخر، لأجد نفسي تشعر بها، وتلامس أحاسيسها التي فقدتها منذ زمن، لأبدا حديثي عن الحياة، وكيف انقلبت رأساً على عقب منذ تخرجنا، وكيف هي باقية ترتجي عودة زمن الصداقة الأصيلة والوصل المنتظر، وكأنها لم تسمع بتغيير النفوس، وانقلاب العقول. كنت أتكلم وهي غارقة في تفاصيل حروفي، وكأنني أقول ما يقنعها ويريحها، لأحدثها بتفاؤلي المعتاد عن الحياة، وأن الأمور ستتحسن لو غيرت منحى حياتها، ونظرت للأمور بواقعية أكبر، وليس كل من حولها بغريبي الطباع، بل هي الغريبة بينهم؛ لأنها أحست بذلك الشعور وتفاقم بداخلها. كثيرون منا من يرغبون باللجوء العاطفي؛ ليملؤوا ذلك الفراغ الكبير، الذي تركته الأيام دون حصون مشيدة تسكنه، فيتعدد مفهوم هذا اللجوء الحسي، سواء اللجوء لوطن أكثر أماناً، أو لقلب أكثر اتساعاً؛ لينثر حزنه وشظايا حلمه بين ساحاته. لتأخذنا الصدف غالباً فنلتقي بأشخاص ينتمون لنا ولشخصيتنا، التي نشعر بأنها نادرة ولا أحد يشبهها لنجد أن هناك من يشبهنا في أشياء كثيرة، فتبتسم لنا الحياة ويتغير مجرى حياتنا، لنشعر بالانتماء والولاء لهذا الشخص الذي لامسنا شعورياً؛ فنحاول الاقتراب منه واللجوء إليه في كل مشاكلنا؛ لأننا نرى أنه أصبح قريباً منا، وقادراً على ترجمة مشاعرنا بصورة جميلة، فنزداد تمسكاً به لدرجة يصعب علينا فراقه. غير مدركين تعرضهم مع الزمن لعوامل تعري قلوبهم وخواطرهم، وتغيرها من حال إلى حال، فمن الجيد أن نبدأ ومنذ هذه اللحظة بالتهيئة النفسية، وتوثيق علاقتنا وثقتنا بخالقنا، فهو الملجأ لعباده؛ لأن هذا النوع من اللجوء، لا يزيدنا إلا حسرةً وألماً عندما نستفيق في الأخير من ضماده الموقت.