إذا كان البؤس الصحي في العالم أمريكياً بامتياز؛ فيصح القول إن البؤس الصحي في القارة الأوروبية بريطاني بامتياز. ولكن هل ترك فايروس كورونا الجديد حدوداً فاصلة بين أقطار العالم؟ فهذه السلالة الجديدة من الفايروس التي عثر عليها في بريطانيا، وأدت الى إغلاق معظم أرجاء إنجلترا، أحدثت هزات ارتدادية ملموسة في أنحاء العالم. فها هي أوروبا وأمريكا بدأتا تعزلان بريطانيا. فقد تم حظر الرحلات القادمة من بريطانيا إلى معظم أرجاء العالم، حتى في السعودية التي قررت حظر الرحلات الداخلية أسبوعاً، لمنع تسلل السلالة الجديدة للفايروس الشرير. وعلى رغم التدابير الموجعة التي فرضها رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، وتشمل الإغلاق الكامل للعاصمة لندن ومحيطها، لم يرعوِ الفايروس عن تفشيه المتسارع. فقد سجلت بريطانيا الأحد 35.928 إصابة جديدة، وقيّدت 326 وفاة، ليرتفع العدد الكلي لوفياتها منذ اندلاع الجائحة إلى 67.401 وفاة. وهو ارتفاع في عدد الحالات الجديدة يفوق ما تم تسجيله الأحد الماضي بنسبة 95% بحسب صحيفة «ديلي تلغراف» أمس. ولم تكن بريطانيا وحدها المكتوية بنار الوباء أمس. فقد تجاوز العدد التراكمي للإصابات في العالم أمس 77.19 مليون إصابة، نجمت عنها 1.70 مليون وفاة. وهي زيادة جنونية تمثلها الأرقام اليومية المرعبة لعدد الحالات الجديدة: فقد سجلت دول العالم 534.444 إصابة جديدة خلال الساعات ال24 المنتهية صباح الأحد 20 ديسمبر. وكانت الإصابات حول العالم قد بلغت 616.228 إصابة السبت 19 ديسمبر. وفي الولاياتالمتحدة، رزئت البلاد الأقوى في العالم ب189.099 إصابة الأحد 20 ديسمبر. وبلغ عدد الإصابات الجديدة في أمريكا السبت 196.295 إصابة. ويعني ذلك أن تسجيل مليون إصابة جديدة حول العالم أضحى يستغرق أقل من يومين فحسب! في بريطانيا ليس ثمة شيء سوى الكآبة، والشتاء القارس، والشوارع الخاوية، والأسواق المهجورة، وصحف لندن التي تتابع الحدث، وتكيل الانتقادات لجونسون، خصوصاً على إلغاء الاحتفالات بأعياد الميلاد. غير أن الأكثر إثارة للقلق والاكتئاب المخاوف من عزلة بريطانيا، بعدما قرر عدد كبير من البلدان الغربية وقف الرحلات الجوية القادمة من بريطانيا. وذكرت «التلغراف» أمس أن قرار فرنسا إغلاق موانئها ومطاراتها بوجه المسافرين من بريطانيا وإليها يهدد انسياب إمدادات اللقاح والأغذية التي تستوردها بريطانيا من فرنسا. وبات 250 ألف بريطاني عاجزين عن السفر في مطارات البلاد جراء الحظر. وأعلنت 11 دولة أوروبية، أبرزها فرنسا، وبلجيكا، وهولندا، وآيرلندا، وألمانيا إغلاق حدودها بوجه الرحلالت البريطانية، ومنع مغادرة شاحنات وقطارات البضائع إلى بريطانيا. وعقد الاتحاد الأوروبي اجتماعاً طارئاً أمس، في بروكسل أكد إغلاق الحدود بشكل كامل لمنع أي مسافرين من بريطانيا دخول أراضي دوله الأعضاء. وهو حظر قد يكلف البريطانيين نحو 400 مليون جنيه جراء إلغاء حجوزات سفرهم. كما قررت كندا، والسعودية، وتشيلي، وإسرائيل، والأرجنتين حظر الرحلات الجوية القادمة من المملكة المتحدة. وقررت الولاياتالمتحدة التريث قبل اتخاذ قرار من هذا القبيل. وترأس جونسون أمس اجتماعاً طارئاً للجنة الأمنية العليا لحكومته للبحث في سبل ضمان استمرار تدفق شحنات البضائع والأغذية من والى بريطانيا. وكانت محطات القطارات الرئيسية في لندن شهدت السبت زحاماً كثيفاً، بسبب تدافع البريطانيين للسفر خارج لندن، قبل خضوعها للإغلاق الكامل اعتباراً من الأحد. وتزامن ذلك الوضع المضطرب مع دنو أجل الفراق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، من دون أن تلوح في الأفق دلائل اتفاق تجاري بين الجانبين، وهو ما سيعني مزيداً من الخلل في منظومة التجارة والصناعات البريطانية. وكان المشهد في مطار هيثرو، الواقع غربي لندن، قمة البؤس حقاً. ففي الدقائق الأخيرة قبيل إقلاع عدد كبير من الرحلات، جاءت تعليمات من الدول الأوروبية بأن تعود طائراتها من لندن خاوية من الركاب، خوفاً من انتقال السلالة الجديدة من فايروس كوفيد-19 إلى أراضيها. الفايروس «المتحوّر» وصل إلى إيطاليا هل ستفلح تدابير إغلاق الحدود، وحظر الرحلات الجوية والبحرية في منع تسلل الفايروس المتحور؟ فقد أعلنت وزارة الصحة الإيطالية ليل الأحد/ الإثنين، أنها سجلت إصابة جديدة لشخص مصاب بالسلالة الجديدة المكتشفة في بريطانيا. وذكرت أن المصاب كان قد عاد خلال الأيام المضاية مع زوجته من بريطانيا، وهما قيد العزل حالياً في روما. وقالت السلطات البريطانية إن السلالة الجديدة من فايروس كوفيد-19 تملك قدرة على التفشي أسرع بنحو 70% من السلالة التي كانت سائدة حتى الأسبوع الماضي. وكانت أوروبا نجحت في تنسيق سياسة موحدة لإغلاق الحدود بين دولها خلال الصيف الماضي للسيطرة على تفشي الفايروس. وأعلنت منظمة الصحة العالمية، التي تتخذ جنيف مقراً، أنها تدرس كل ما يتعلق بالسلالة الجديدة للفايروس، خصوصاً قدرتها على التفشي السريع. وقالت مديرة الشؤون الفنية بالمنظمة الدكتورة ماريا فان كيرخوف إن المعلومات تؤكد حتى الآن أن التحور الجديد للفايروس لن يؤثر على اللقاحات التي تم تطويرها لمنع الإصابة به.