أكد الدكتور عبدالله الغذامي عجز الملاحدة من الفلاسفة والفيزيائين عن تقديم أدلة تنفي وجود الخالق، وكشف صاحب (الخطيئة والتكفير) ل«عكاظ» عن اشتغاله على كتاب (العقل المؤمن والعقل الملحد) نحو 50 عاماً منذ ابتعاثه لبريطانيا (1971)، إذ جمعته البعثة في معهد اللغة بطلاب سويديين فتحوا معه نقاشاً حول الإله والإيمان، فيما ناقش مشرفه الملحد في قضايا ميتافيزيقية، واستبطن منذ تلك الحقبة أسئلةً كبرى لم تبرز مخرجاتها طيلة 50 عاماً إلا هذا العام، وأوضح أنه في ظل ما سكنه من استفسارات لم يتبرم من الالتحاق بحلقات فلسفية مدفوعة التكلفة للتزود بتصورات عن نشوء الخلق من وجهة نظر العقل والعلم المحايدين، إضافة لاشتغاله لاحقاً على مراجعات نقدية لكتب فيزيائيين وفلاسفة ومفكرين وتحاوره مع الظاهرة الإلحادية في (تويتر) منذ 2011. ورصد التحولات المصاحبة للانفتاح في المملكة وما صاحبها في الأعوام الثلاثة الماضية من تراجع التشدد ما أسهم في ولادة كتابه إثر مخاض طويل من التأمل والنقاشات. وعزا الغذامي نمو ظاهرة الإلحاد إلى التشدد، وعد التزمت أشد خطراً على الدِّين من الإلحاد، مشيراً إلى أن دوره في كتابه الجدلي اقتصر على إدارة حوار بين أطروحات كبار الفلاسفة والفيزيائيين في العالم دون إصدار أحكام بالكفر أو الإيمان بحق أحد من السبعة النماذج التي اختارها. وثمن الغذامي دور العلم في الكشوفات، مؤكداً أن بعض التفاسير يتناغم ونظرية دارون (النشوء والتطور) واستعاد ما قاله القرطبي والطبري في تفسير قوله تعالى: «هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا»، وإثباتهم أن آدم عليه السلام آخر المخلوقات وتم خلقه على مراحل، ولفت إلى ما بلغته نظرية (الجينوم) من تعزيز لنظرية التطور؛ كونها وفرت إمكانية معرفة تركيب الإنسان من مكوناته الأولية ما يؤذن بتغيير الأفكار والقناعات جيلاً إثر جيل. من جهة أخرى، قدم الدكتور الغذامي عرضاً لكتابه في منتدى الثلاثاء الثقافي، وكشف أن كتاب (العقل المؤمن والعقل الملحد) يقوم على سؤال (كيف لعقول البشر أن تؤمن أو تلحد)، ليقف على الواقع البشري الذي يكشف أن العقول البشرية تأتي على نماذج ثلاثة فيما يخص سؤال الإيمان، وتتمثل في عقل مؤمن، وعقل ملحد، وثالث يتخذ سبيل التوقف أو مصطلح agnostic؛ الذي يعني موقف اللا أعرف، وعده الغالب بين الملحدين، كون البحث حول حجج الملحدين ينتهي دوماً عند نقطة يتوقف فيها العقل عن تقديم جواب برهاني ينفي وجود الخالق. ويرى عرّاب الحداثة أن فكرة إثبات الخالق ترد عند المؤمن بينما يتجنبها الملحد؛ كونه لا يملك أي براهين تنفي وجود الخالق وإذا وصل لهذه النقطة اكتفى بقول لا أعرف، دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن إدلة إثبات، ما يعني أن الملحد ينفي دون برهان خلافاً للمؤمن الساعي دوماً للبرهنة. وعد الغذامي تعطل العقل البشري عن البحث، إشكالية، وتساءل: «ماذا تفعل حين تتعطل عن البحث»، وقارب بين ما ذهب إليه (كانط) من أن العقل الخالص لا يستطيع البرهنة على الله ولا على فكرة الخلود ولا على الإرادة الحرة، وأن لهذه الفرضيات طرقاً أخرى غير طريق العقل، فيما خالفه (روسو) القائل إن العقل يقودنا للفطرة، والفطرة تقودنا للإيمان، وأحال الغذامي إلى موقف أبي حامد الغزالي من العقل حيث قال إن «ميزة العقل هي في قدرته على كشف عجزه»، وأبدى الغذامي تعجبه ممن أدرك عجز العقل مع علمه أن إثبات وجود الخالق ليس عن طريق العقل، ووصلوا للإيمان، فيما ألحد من يصر على شرط الثبوت عقلياً أو علمياً، مثل (برتراند راسل) الذي ظل يتجنب الأسئلة الكبرى المتولدة من سؤال السبب الأول وسؤال الوجود الضروري الذي يقف خلف أي وجود آخر في هذا الكون، القائم على أن كل وجود نراه أو نتعرف عليه نعرف أنه لم يخلق نفسه، ما يعني أن له موجوداً سابقاً عليه، وهي فكرة قالها (لايبنتز)، إلا أن (راسل) يتوقف دون الخوض فيها؛ ولذا قال: لا أعرف. واستعرض الغذامي طرح (هوكينج) الذي شرط على نفسه ألا يثبت إلا ما ثبت عنده فيزيائيا، رغم أن الفيزياء لا تتجاوز ما هو قبل الانفجار الكبير ما اضطر (هوكينج) للتوقف عند حد الانفجار الكبير ولا يسأل عما قبل الانفجار الكبير، وذهب الغذامي إلى أن توظيف العقل أو العلم توظيفاً سلبياً أنتج عقولاً كباراً تعدها الثقافات من أكبر العقول إلا أن بعضها يؤمن وبعضها لا يؤمن، حين يرد سؤال الخالق. ولفت إلى أن (كانط) فلسفياً و(كولينز) علمياً كشفا أن الطريق إلى الله يسلك سبلاً مختلفة ومتنوعة، ووجده كولينز في الجينوم البشري وخارطة الجينات و(DNA) بما تمثله من لغة تحمل لنا رسالة من الله، ومن يفهم الرسالة ويعرفها فسيعرف المرسل. وكشف الغذامي أن كتابه يقف على سبعة نماذج لفلاسفة ولعلماء ويعرض حجج كل فريق بين الإيمان والإلحاد ما يبين حال الخطاب وثغرات النظريات بين عجز أو مسعى لاكتشاف طريق يسد ثغرة العجز. وأبان أنه وقف على النظريات العلمية الكبرى (الجاذبية، الانفجار الكبير والتطور)، وتتبع تزاحم هذه النظريات مع فكرة الخالق، وهل يتعارض العلم والفسلفة مع الدين أم هما محايدان، والانحيازات في العقول البشرية، مشيراً إلى أن الكتاب محفّز لأسئلة ونقاشات حول فلاسفة وعلماء آمنوا ولم يروا تعارضاً بين الإيمان والعلم ولا بين الإيمان والفلسفة، وآخرين وظفوا العلم والفلسفة لمعارضة الدين، ما يكشف حال الخطاب الفلسفي والعلمي وثغرات النظريات وطرق توظيف العقول للنظريات حسب ميول أصحابها، وعدّ كتابه بحثاً نقدياً في التعرف على حال الخطاب وسبل توظيفه وتوجيهه بحسب الميول داخله. الملحدون عجزوا عن نفي الخالق 50 عاماً أتأمل الفلسفة تعطل العقل البشري عن البحث إشكالية كبيرة