تزايدت التساؤلات حول رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستتسلم مهماتها في يناير القادم للملف النووي الإيراني، في ظل التباين الشديد لطريقة إدارة الرئيس دونالد ترمب المنتهية ولايته واتباعها سياسة «الضغوط القصوى» عبر فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، والانسحاب من الاتفاق والتهديد دومًا بمواجهة عسكرية ضد النظام الإيراني، في مقابل توجهات الرئيس المنتخب جو بايدن بإعادة التفاوض على الاتفاق النووي مرة أخرى واستمرارية نظام فرض العقوبات، أم أنها ستعود إلى ممارسة إدارة أوباما بتقديم الدعم المالي لطهران.. هذه التساؤلات تطرح بقوة بعدما ورد في تقرير جديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أمس بأن إيران بدأت تضخ غاز سادس فلوريد اليورانيوم في أجهزة طرد مركزي جديدة من طراز آي.آر-2إم، تم تركيبها في منشأة نطنز بعد أيام من تقرير آخر لها كشف أن إيران ركبت أول سلسلة من أجهزة الطرد المتطورة في محطة نطنز لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض، والتي ينص اتفاقها مع القوى الكبرى على عدم إمكان استخدامها إلا في الجيل الأول من أجهزة «آي. آر-1». وبعد التوصل إلى الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، بين إيران ومجموعة (5+1)، التي تضم الولاياتالمتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، في يونيو 2015، تغيرت الأوضاع وأصبح الاتفاق على المحك بعد مجيء ترمب إلى الحكم، حيث تعامل وفق سياسة مختلفة تماما لرؤية إدارة الرئيس السابق أوباما حول تسوية الملف النووي من خلال وصف الاتفاق بالفظيع والكارثي، وأن نقاط الاتفاق غير صارمة، ولا يشمل تقليص قدرات إيران الصاروخية، بالإضافة إلى أن الموقع عليه هو الرئيس السابق الذي لا يتفق ترمب مع سياساته. وانسحبت الولاياتالمتحدة من الاتفاق في 8 مايو 2018، بالمقابل استأنفت طهران تخصيب اليورانيوم وتجاوز الحد المتفق عليه في الاتفاق والمحدد ب3.67%. في ما يتعلق بإستراتيجية بايدن «المحتملة» تجاه إيران، يؤكد المراقبون أنه من الصعب التنبؤ بشكل السياسة الخارجية، إلا أن سجله كنائب للرئيس السابق يمكن أن يساعد في توقع أسلوب إدارته المحتمل أن يكون أكثر براجماتية تجاه طهران، وتخفيف حدة التوترات معها عن طريق تحريك العلاقات الثنائية في اتجاه أكثر استقرارًا بتخفيض حملة «الضغوط القصوى». وفي سياسته حيال إيران، قد يكون بايدن أكثر حرصاً على مصالح الدول الأعضاء في حلف الناتو مثل فرنسا وألمانيا، التي دعمت الاتفاق واستاءت من قرار انسحاب الولاياتالمتحدة. لذلك، قد ترسم مؤشرات عدة تغييرات محتملة في تعامل إدارة بايدن تجاه إيران، تتمثل في تبني إستراتيجية العودة للاتفاق النووي في أغسطس 2019، وهو ما أخبر بايدن مجلس العلاقات الخارجية أنه إذا عادت إيران للامتثال بالتزاماتها النووية، فإنني سأعود مجددًا لخطة العمل الشاملة المشتركة، وسأستخدمها كنقطة للانطلاق في مواجهة تصرفات طهران الخبيثة الأخرى في المنطقة، ليكون بوابة للحد من نفوذها المناوئ لواشنطن أو لحلفائها في منطقة الخليج. ويرى بايدن أن إيران طرف مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، يجب ألا يسمح لها بتطوير سلاح نووي، وأن العودة للاتفاق النووي سيتيح لواشنطن تقييد أنشطة طهران العسكرية والجماعات المدعومة منها ماليًا، سواء في سوريا، اليمن، ولبنان، وأن الحل الأمثل لوقف أي أنشطة «خبيثة» لها هو التفاوض المتبوع بضغط دبلوماسي واقتصادي. وعلى أساس هذ التصور يرى بايدن أن خطة ترمب للضغط على طهران بالانسحاب من الاتفاق النووي أعادت طهران تشغيل برنامجها النووي. وعلى هذا، فإن الخبراء يعتقدون أن بايدن مستعد للموافقة على الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم وتحت أي شروط، وهو الأمر الذي يعتبره العديد من المراقبين بمثابة تنازل أمريكي كبير يجعل التفاوض مرة أخرى على الاتفاق النووي ممكنًا.