يبدو أن لكل شعب في الأمريكتين زعيمه المشاكس لحقائق التاريخ والجغرافيا. وإذا كان شق كبير من الأمريكيين يرفضون إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترمب، بسبب مواقفه غير العلمية إزاء وباء فايروس كورونا الجديد، الذي ظل ينكره ويرفض التحوط منه، إلى أن أصيب به في أكتوبر الماضي؛ فإن محنة الشعب البرازيلي في رئيسه جاير بولسنارو لا تحدها حدود. فقد ظل بولسنارو يرفض ارتداء الكمامة لوقاية نفسه من كوفيد-19، حتى أصيب بالداء نفسه. وظل يروّج لقدرات مزعومة لعقار المكلاريا الشهير هايدروكسيكلوركين على معالجة كوفيد-19، على رغم إجماع الهيئات العلمية في جميع أنحاء العالم على إثبات خطأ ذلك الزعم. وها هو في أحدث تصرفاته الغريبة يحض مؤيديه على حشد أنفسهم، وتسيير مظاهرات احتجاجاً على الاتجاه لإخضاع الشعوب للقاح الواقي من فايروس كورونا الجديد، الذي يجمع عقلاء العالم وعلماءه على أنه القبس الوحيد للأمل في تخلص الإنسانية من جائحة كورونا التي أدت حتى الآن إلى أكثر من 1.2 مليون وفاة، فيما تجاوز عدد المصابين بوبائها 46 مليوناً حول العالم. واستجابة لنداء بولسنارو، احتشد مئات الأشخاص الأحد وسط مدينة ساوباولو، العاصمة الاقتصادية للبرازيل، للمطالبة بعزل حاكم ولاية ساوباولو خواو دوريا، الذي أعلن في بيان أنه ستيعين على جميع سكان الولاية الخضوع للتطعيم بمصل كوفيد-19. كما خرجت مظاهرات مماثلة لأنصار بولسنارو على شاطئ كوباكوبانا في ريو دي جانيرو. ويرجح أنه سيتم تلقيح البرازيليين بمصل أنتجته شركة سينوفاك الصينية، بالتعاون مع معهد بوتانتان البرازيلي. وأحرق المتظاهرون الكمامات في ساوباولو وريو دي جانيرو، على رغم أن قناع الوجه لا دخل له بالتطعيم. ويتوقع أن يكون تطعيم السكان قضية ساخنة جداً خلال الحملات المتوقعة لانتخاب عُمَد ومجلس مدن البلاد في وقت لاحق من نوفمبر الجاري. ويذكر أن فايروس كورونا الجديد أدى إلى أكثر من 160 ألف وفاة في البرازيل، التي تعتبر أكبر مدن أمريكا الجنوبية من حيث الكثافة السكانية؛ إذ يبلغ عدد سكانها 220 مليوناً. وأعلنت السلطات الصحية البرازيلية أن عدد الإصابات بكوفيد-19 تجاوز أمس 5.5 مليون نسمة. ويتمسك المسؤولون الصحيون وخبراء مكافحة الأوبئة البرازيليون بأن اللقاح هو الأمل الوحيد في إمكان دحر كوفيد-19، الذي أدى إلى انهيار اقتصاد البرازيل خلال الربيع الماضي. وتقول مصادر في واشنطن إن عدد الإصابات والوفيات في البرازيل قد يكون أكبر كثيراً مما هو معلن رسمياً، وذلك بسبب صعوبة معرفة الوضع الصحي في مناطق الغابات المطيرة، على ضفاف نهر الأمازون. كما أن المرافق الصحية في الولايات الطرفية تفتقر إلى أساسيات العناية بالمصابين بفايروس كورونا الجديد.