مهنة تطلع إلى مزاولتها أصحاب جميع المهن محاسبين ومهندسين وماليين ومديري إدارات الموارد البشرية والمالية والإدارية والتسويق والمبيعات وكذلك أساتذة الشريعة والقانون والإدارة ومعهم المستشارون بالقطاع العام والخاص والشؤون الدينية في بعض الوزارات وحتى المدارس والجمعيات الخيرية ومدرسو المواد الدينية والضباط في مختلف القطاعات الأمنية والمحامون المتدربون وطلبة القانون وحتى العاطلون عن العمل، كل هؤلاء وغيرهم يرون أنهم أجدر وأحق بتقديم الاستشارات القانونية والمثول أمام القضاء ما دام لديهم عملاء. وللأسف فإن كثيراً من أصحاب الأعمال يفضل الوكلاء والدعوجية ومحترفي التعقيب والتحصيل، مما نتج عنه أن يكون في المحاكم أكثر من مليون قضية بدون محام مرخص من وزارة العدل الذي يوجب نظام المحاماة بنص مادته الثامنة عشرة قصر الترافع عليهم - دون غيرهم - أمام محاكم وزارة العدل وديوان المظالم واللجان شبه القضائية. هذا الواقع المؤلم في ذهن ووجدان مجتمع الأعمال وضعه المشرع في الحسبان، فلم يكتفِ بالنص الواضح المتقدم، بل وفي استثناء تشريعي نادر الحدوث أعطى في مادته 38 وزارة العدل فترة انتقالية انتهت منذ خمسة عشر عاماً تقريبا دون أن تنجز المهمة التي منحت خمس سنوات كاملة لإصلاح الوضع السائد في حينه وكان هذا الوقت كافياً لتغيير فكر وواقع النظرة السلبية لواقع التقاضي في المحاكم التي عانت من التأخير وعاب أحكامها انعدام التسبيب واكتظت بالشكاوى والقضايا الكيدية وشاب بعض أعمالها نوع من الفساد منه دعوة القضاة للاختصار ومنه الادعاء ببلاغة الاختزال من المنتحلين لصفة المحامي مما أدي إلى إرهاق القضاء والقضاة. وما تعلمه وزارة العدل أن حجم وعدد القضايا الاقتصادية في اللجان شبه القضائية أضعاف مضاعفة وأكثر أهمية وخطورة من القضايا التي من اختصاص المحاكم التجارية، ودليل ذلك أن تنفيذ أحكام قضايا الأوراق التجارية احتاج لكثير من القرارات والتعديلات طوال سنوات لمعالجتها أمام محاكم التنفيذ، ومع نقل اختصاص النظر في قضايا الأوراق التجارية للمحاكم التجارية سيظهر الكثير من الأثر المرهق نظراً للعدد الكبير لتلك الأوراق. وواقع القضاء والتقاضي الذي تأخرت وزارة العدل في تغييره يشمل المحامين وهذا لم يكن خافياً على القيادة الغالية في الوطن فأصدرت تنظيم هيئة المحامين وجعلت مهمة الهيئة محصورة فقط في رفع مستوى ممارسة المحامين لمهنتهم وضمان حسن أدائهم لها، والعمل على زيادة وعيهم بواجباتهم المهنية. ورؤية 2030 والتحول الوطني 2020 فرضا حزمة تعديلات جوهرية جذرية كبيرة لتطوير فكر الإدارة الاستثمارية لأموال الدولة وأصولها وآليات عمل القطاع الخاص في إطار من النزاهة والشفافية وسيادة القانون التي تتطلب أن يكون لدينا مكاتب محاماة وطنية قوية لخدمة المجتمع وقطاع الأعمال خاصة مع مفهوم العدالة الوقائية الذي يستلزم عمقاً معرفياً ووعياً علمياً بواقع المهنة، إلا أن ذلك غير متوفر في ذهن المجتمع الذي لا زال يعتقد بأن المحاماة شوية كلام يكيل بالكيلو أو كلام يقال بصوت عال أمام القاضي لكسب القضية وهذا الفهم السائد في ذهن مجتمع الأعمال أوقعه في فخ الفساد والعشوائية بعيداً عن الحوكمة والالتزام لأنه فهم يتعارض مع قوانين ولوائح مكافحة الفساد وغسل الأموال والتستر والغش التجاري وهو بعيد كل البعد عن مبادئ السلوكيات وتعارض المصالح التي صدرت للموظف والوظيفة العامة والخاصة وقطاع الأعمال والخدمات وبخاصة المقاولين. والمطلوب الآن من وزارة العدل عمل حزمة مبادرات لتفعيل وليس تعطيل ما نص عليه نظام المحاماة بأن تمنع نهائياً القضاة في المحاكم من قبول ترافع غير المحامي المرخص بكل الوسائل والإجراءات، ويكون قبول القاضي للدعوى المرفوعة من غير المحامي المرخص من المآخذ على هذا القاضي في تقييم أدائه. والمطلوب أن تعمل هيئة المحامين على تحقيق الهدف الذي وجدت لأجله من خلال القنوات التي صدرت لها لرفع مستوى العلم والإدراك بالمهنة وخدماتها التي لا تقتصر على كيلو كلام في المحاكم بل إلى أطنان من العلم والخبرة والكفاءات للعمل الاستشاري، ويجب أن يعلم الجميع بأن القضاء والمحاكم فقط للقضاة المؤهلين والمحامين المرخصين ولا أحد سواهم. والعلم القانوني والخبرة العملية والممارسة الفعلية والكفاءات المتميزة في الخدمات الاستشارية هي أسس قوة ومكانة المكاتب العالمية والدولية الكبرى والمرموقة وبدليل تعامل الدولة وشركاتها ومؤسساتها معها وليس مع المكاتب الوطنية غير القادرة للأسف على تقديم تلك الخدمات التي تعاني ضعف تأهيل المحامين المتدربين بدورات نظرية، ولذلك من واجب هيئة المحامين الاهتمام المتواصل بكل أشكال التدريب القانوني المستمر المتجدد للمحامين السعوديين. ونأسف لتبني هيئة المحامين تقديم الاستشارات بالتعاون مع المحامين المتدربين والمستجدين مما يُعد انحرافاً سلبياً خطيراً تجاه المهنة وما يجب أن تحظى به من دعم ورعاية وحماية وتمكين. ومن الصعب تفهم وقبول ترافع غير المؤهلين ولدينا 20.000 خريج قانون عاطل عن العمل ومكاتب محاماة معظمها يعمل وفق اقتصاديات متهالكة وإدارات عشوائية فردية، ومن مظاهر هذه العشوائية تلك التي تتجسد في لوحات الشوارع في شكلها المقزز وما يحتويه مضمونها من عبارات في مخالفة صريحة للنظام وتنم عن فساد واقع المهنة الذي لم تُعدله وزارة العدل وهيئة المحامين. أتمنى في يوم القانون ومن دولة القانون والمؤسسات والإصلاح ومحاربة الفساد أن يتم تعديل تنظيم هيئة المحامين ليقتصر مجلس إدارته على المحامين المرخصين الممارسين للمهنة لسنوات طويلة بدأت بالتدريب ثم الممارسة الحقيقية التي تصل إلى الأستاذية وتسلحوا بالمبادئ الأخلاقية والعلم الشرعي والقانوني والخبرة الثرية بماهية المهنة. والغاية من تعديل تنظيم الهيئة أن تعمل على اقتراح تعديل الأنظمة وإجراءات التقاضي ووضع مواثيق العمل الحقوقي وأعمال المحاماة، وأن تسعي إلى ترسيخ مكانة حقيقية لائقة برجل القانون في جميع سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية وفي القطاعين العام والخاص وفي مكاتب المحاماة الوطنية المحترمة القادرة على تقديم الخدمات والمنافسة مع المكاتب الأجنبية والعالمية، وإلا سيظل المحامون بعيدين عن بيتهم الأصلي في هيئة المحامين، وهذا واقع نأمل ونتطلع إلى تغييره لمصلحة الوطن والمجتمع الاقتصادي ولزيادة قوة ومكانة السلطة القضائية بكل قطاعاتها بما يحفظ حقوق الإنسان وليتحقق سعي رجل القانون الأول في الوطن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى تمكين قوة القانون والتي تكون بدعم رجال القانون وتبوئهم مكانتهم الحقيقية اللائقة. كاتب سعودي majedgaroub@