أحيانا الحكم بالعدالة لا يتم إلا ببعض التجاوز عن الخطأ، إما لمصلحة عامة أو خاصة. والإنسان على ظهر هذه الأرض مهما كانت قوته وسلطته يحمل من الضعف الإنساني الذي ينبغي أن يُقدر من شركائه في الإنسانية، وهم بلا شك يقاسمونه ذات الضعف في قرارة أنفسهم، وما الأمر الملكي بإلغاء حكم الإعدام على القُصّر، إلا مراعاة لهذا الضعف الإنساني الذي تتحطم أمامه أم ويضعف أب، وينجر للفناء قاصر لا يدري لم أقدم على هذه الجريمة دون رادع تربية من ذويه أو حتى ضميره، فهو البعيد عن الرشد لا يؤخذ بكلامه ولا بفعله، ومن غير المنطقي تأجيل تطبيق عقوبة الإعدام لصغر سنه، وعدم بلوغه سن الرشد، ثم يؤخذ بذنبها إذا بلغ!. وهذا لا يعني تركه حتى يتضخم ويصبح مشروعاً إرهابياً، أو قاتلاً ورئيس مافيا، بل يجب معاقبته بما يتناسب مع عمره، والبيئة التي يعيش فيها، والأمان المستقبلي الذي نطمح إليه ويريده، وكانت النيابة العامة وضّحت التدابير التي تُفرض على الحدث إذا لم يكن متماً للخامسة عشرة من عمره حين ارتكابه فعلاً يعد جريمة، وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة العاشرة من نظام الأحداث. كل هذا الرفق بالقاصر لا يعني تجاهل ألم ذوي الضحايا ومعاناتهم من الفقد، وحاجتهم الماسة المادية والمعنوية لمن كانوا بينهم في يوم ما، لكن الأجل محتوم، والحقيقة تفرض نفسها وتشير إلى أن القاصر يبقى قاصراً وأفعاله حتى الشنيعة منها لا تندرج تحت الرشد. أما ما يخص جرائم القتل التي يكون فيها القاتل راشداً عاقلاً مدركاً لجرمه، وأراد أولياء الدم الدية، فأرجو من كل ذي سلطة النظر في هذه الدية وتقنينها، النائب العام وهيئة كبار العلماء وصولاً إلى أولياء الدم، لما فيها من تلاعب بمقدرات الناس المادية والمعنوية، وتذكية للعصبية، وتعالٍ قبلي وطبقي مرفوض في دولة القانون، والأهم أن كل المطالبين بالمال حزنهم إلى زوال بمجرد دفع الدية إلا الأم حزنها مقيم، لذا ينبغي أن ترضى الأم وتخيّر بين المال أو القصاص، ويجب أن يسمع منها القاضي خيارها، ويتأكد من رضاها. كاتبة سعودية N_alsalmi@