منذ أسبوع وأنا أقرأ رواية «الفتنة» لمؤلفها كنعان مكية عن حال العراق منذ 2003، وحتى عام 2006، والمذهل أنه كلما انتهيت من قراءة فصل بالرواية، وطالعت نشرات الأخبار شعرت وكأنني ما زلت أكمل فصول الرواية المتبقية حيث لا فرق بالتفاصيل من ناحية الاغتيالات، والعنف. الأسبوع الماضي وحده شهدت البصرة عمليات اغتيال بحق ناشطين عراقيين، رجال ونساء، أشهرهم العراقية رهام يعقوب، وكل ذنبهم هو رفض النفوذ الإيراني، والفساد، وتحدث كل تلك الاغتيالات على أيدي جماعات إرهابية مفلوتة تابعة لميليشيات مدافعة عن إيران. ورغم كل المشاهد المحزنة إلا أن المذهل هو حجم النفاق الغربي، وتحديدا المؤسسات الإعلامية، والحقوقية، التي لم تولِ حجم العنف الذي يستهدف الناشطين بالعراق الاهتمام المستحق، ومقارنة بقصص أخرى أقل مأساوية. منذ أكتوبر 2019 والناشطون العراقيون يواجهون حملة من الاغتيالات، والاختطاف، ووسط صمت مطبق من جل وسائل الإعلام الغربية، ومراسليهم في المنطقة المتفرغين فقط للتعليق على تويتر، وكأنهم ناشطون لا صحافيون محترفون. حيث يتفرغون للتعليق على تويتر وكأنهم جزء من حملات لا صحافيون محترفون همهم كشف الحقائق، وآخر ما يهم المتابع آراؤهم، كونهم صحافيين ميدانيين، وليسوا معلقين، أو كتاب رأي، ولهذا موضوع آخر يستحق التوقف أمامه. والقصة لا تقف على الإعلام الغربي، ونفاقه فقط، بل منذ أكتوبر 2019 والمنظمات الحقوقية الدولية لا تعطي ما يحدث في العراق من اغتيالات، واختطاف، الاهتمام الذي توليه لقضايا أخرى، وتحت أكذوبة حقوق الإنسان. فأيهم أكثر أهمية من حق إنسان يرفض تدخلا أجنبيا بوطنه، كما يرفض العراقيون التدخل الإيراني، ويقابلون بالعنف، والقتل، والاختطاف؟! للأسف جل الإعلام الغربي، والمنظمات، والمؤسسات الحقوقية الدولية، لم تولِ العراق نصف الاهتمام الذي أولته، مثلا، لمقتل قائد فيلق القدسالإيراني قاسم سليماني في قصف أميركي، كما لم تولِ ضحايا عنف الميليشيات نصف الاهتمام الذي أولته لسليماني الإرهابي الذي تسبب بمجازر بالعراق، وسوريا. نعم مؤسف أن تمنح وسائل الإعلام الغربية مساحة كبيرة لتغطية اغتيال القاتل قاسم سليماني، والتساؤل عن أحقية الولاياتالمتحدة باستهدافه، وتتغافل عن العراقيين الذين يواجهون أبشع أنواع العنف والترهيب على يد ميليشيات إيرانية صنعها، وأشرف عليها سليماني نفسه! وهذا ليس كل شيء، بل مؤسف أن تتفرغ من تحسب نفسها على الأممالمتحدة، وأتحدث تحديدا عن أغنيس كالامارد، التي تقول إن اغتيال سليماني كان خارج نطاق القانون، بينما تلزم الصمت المطبق على ما يحدث بحق الناشطين العراقيين، من اغتيال، واختطاف، خارج نطاق القانون، فهل من نفاق أكثر من هذا؟ كاتب سعودي [email protected]