في عام 2008 قامت حكومة فؤاد السنيورة بمحاولة استعادة سيادة الدولة اللبنانية، عبر السيطرة على قطاع الاتصالات وعدم السماح بوجود شبكات هاتفية منفصلة عن الشبكة الرئيسية التي تمتلكها وتسيطر عليها الدولة اللبنانية، كما قررت فرض سيطرتها المطلقة على مطار رفيق الحريري الدولي عبر تعيينات جديدة لأشخاص لا ينتمون إلى ميليشيات حزب الله، فما كان من التنظيم الإرهابي إلا أن دفع بعناصره إلى وسط العاصمة اللبنانية وفرض سيطرته على الأماكن الحساسة في المدينة، وأجبر باقي الفرقاء اللبنانيين على توقيع اتفاق الدوحة الذي رعته دولة قطر وكرس حزب الله باعتباره الحاكم الفعلي للدولة اللبنانية. ومنذ ذلك الوقت وتحول لبنان نهائياً إلى كيان يديره عسكرياً وأمنياً وسياسياً الحزب الإرهابي بمقابل أن يحافظ زعماء الطوائف على امتيازاتهم لذلك فأياً كان سبب انفجار مرفأ بيروت فهو مسؤولية حزب الله الإرهابي. هكذا تحول هذا البلد إلى جمهورية موز يديرها عملاء إيران وتمثل مركزاً للعمليات العسكرية التي ينخرط بها حزب الله على امتداد خارطة الشرق الأوسط بإدارة وإشراف نظام الملالي في طهران، كما تحول إلى مركز للنشاط الأمني والعمليات الإرهابية التي يشرف عليها فيلق القدس التابع للحرس الثوري. واستكمل الحزب دورة إنتاج وتوريد وتهريب المخدرات ضمن شبكة محكمة بدايتها في أمريكا اللاتينية ونهايتها في أوروبا والولايات المتحدة مروراً بإفريقيا وآسيا، بينما لبنان يمثل صلة الوصل والمركز الإداري لهذا النشاط الإجرامي. على الصعيد السياسي استكمل حزب الله سيطرته على الحكم مع وجود ميشال عون الذي دخل في معادلة بائسة تضمن بقاءه في منصب الرئاسة مع إغماض العين عن كل نشاطات حزب الله. ومع الأداء المتواضع للسيد سعد الحريري الذي ورث موقعاً سياسياً بناه والده بجهد وحكمة وحنكة، ولكن الابن لم يستطع إكماله، فرضي بالاحتلال الإيراني الممثل بمليشيات حزب الله الإرهابية ورضي بأن يكون الواجهة التي يختبئ وراءها نصر الله. أكثر من ذلك فقد أعطى الحريري وجوداً لهذه التركيبة السياسية العرجاء. لبنان بلد يقوم على الحكم الطائفي وعلى التوازن بين المكونات الطائفية، أما خارجياً فهو يقوم على التوازن بين المحاور المنتشرة في المنطقة، ولكن من يدفع لبنان لكي يأخذ جانباً على حساب جوانب أخرى فإنه يجعل البلد الصغير عرضة لحالة من عدم الاستقرار، وهذا ما حدث فعلاً على امتداد العقدين الأخيرين، عندما يتحول نظام التوافق الطائفي إلى سلطة طائفة واحدة على حساب طوائف أخرى وعندما تتحول بلاد الأرز إلى قاعدة متقدمة للوجود الإيراني في المنطقة، فهذا سوف يجعل البلاد مرتعاً للجريمة والفساد ويجعل الطبقة السياسية معزولة عن المجتمع اللبناني. الإصلاح لا يبدأ باستقالة وزير أو حتى رئيس حكومة ولا بانتخابات نيابية مبكرة، لأن النظام برمته سوف يعيد إنتاج نفسه وبالتالي يبقى لبنان يدور في حلقة مفرغة، الإصلاح الحقيقي يبدأ باستعادة الاستقلال الوطني وبناء الدولة حيث الدولة تحتكر السلاح وتفرض سيادتها على الجميع، عند ذلك يمكننا الحديث عن إصلاح حقيقي، وهذا ما أدركه الشعب اللبناني عندما صدحت الحناجر «بيروت حرة حرة.. إيران تطلع برة». باحث سياسي ramialkhalife@