- الدولة العثمانية أقرت قانون إباحة ممارسة الشذوذ الجنسي قبل بريطانيا ب30 عاما وقبل أمريكا ب146 عاما - في عهد السلطان سليم الثالث في القرن ال18 بدأت الدولة العثمانية بالتوجه نحو العلمانية - في عهد السلطان محمود الثاني في القرن ال19 تم فصل الدين عن سياسة الدولة - تلقى الشواذ في عهد أردوغان أكبر قدر من التمكين في تاريخ تركيا في أواخر أبريل الماضي ظهر ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في لقاء مثير عبر إحدى الوسائل الإعلامية حول «المثلية الجنسية» في تركيا، وقال حينها: «نحن لا نسمح أن تكون المثلية شيئا معتادا في مجتمعنا، ولكن نحن لا نتجسس على الأفراد»، ويبدو أن مقدم اللقاء لم يقتنع بالإجابة الفضفاضة، فسأله بشكل أدق: هل يسمح القانون التركي بالشذوذ الجنسي وقيام جمعيات للشذوذ؟ فأجاب أقطاي: «لا.. ليس مسموحاً الآن.. المثلية شيء غير مسموح»، فأضاق عليه مقدم اللقاء الخناق بتساؤل أكثر دقة: «هل الشذوذ الجنسي مُجَرَّم في القانون التركي؟»، في تلك اللحظة تلعثم أقطاي الذي بدا وكأنه يندب حظه على الخوض في المسألة فظل ينظر إلى الأعلى لبرهة وعيناه تحومان في كل الاتجاهات، ثم أجاب: «أعتقد أنه فعل مجرم»، وأكمل بعد لحظات من التأتأة، قائلاً: «لا أدري.. ولكن هناك كثير من المسلمين الذين يعلنون أنفسهم مسلمين مثليين». بالتأكيد حاول أقطاي التسويق المضلل لإسلامية نظام أردوغان فهو دائماً ما يُدفع به للظهور المكثف على الفضائيات العربية والناطقة بالعربية سواء تلك المدعومة من أردوغان أو الموالية لتوجهاته التي تديرها جماعة الإخوان والقنوات التابعة للنظام القطري، كجزء من حملة «PR» وتسويق دعائي لنظام أردوغان ومشروعه السياسي في العالم العربي المغلف بهوية إسلامية، ولكن في كثير من الأحيان يقع المستشار في مأزق التناقضات ما بين واقع تركيا العلمانية وميثولوجيا الخلافة وإسلامية الدولة التركية، وهو ما يصيبه تلقائياً بالتلعثم ويدفعه إلى ترقيع إجاباته بما يتسق مع مشاريع النظام، فالكذب والمتاجرة باسم الدين أمر سهل رواجه بين الفئات التي تنساق وراء الشعارات الزائفة تماماً كاقتياد الخراف إلى المسلخ، بينما الحقيقة ستفاجئ الكثير من الدهماء الذين انجرفوا وراء أوهام الخلافة والنموذج الإسلامي في تركيا وحقيقة العثمانية التي يسعى نظام الرئيس أردوغان لإعادة إحيائها. العلمانية العثمانية وسنوات الاضمحلال والانحلال لم تكن العلمانية التي اعتمدها مصطفى كمال أتاتورك بعد الحرب العالمية الأولى، هي مرحلة العلمنة الأولى في تاريخ تركيا، فقد سبقت الدولة الكمالية مرحلة علمانية استمرت عقوداً طويلة خلال عهود السلاطين العثمانيين، بدأت عبر سلسلة مترابطة من الإجراءات والتشريعات العلمانية في الدولة العثمانية تحت مسمى «التنظيمات»، وكانت بداية مرحلة العلمنة في النصف الأول من القرن ال18 بهدف تطوير مؤسسات الدولة والمجتمع وفق النماذج الأوروبية الحديثة، وذلك بعد أن ضعفت الدولة واهترأت مفاصلها وشاخت مؤسساتها التقليدية الموروثة وأصبحت قاب قوسين من الانهيار، حيث شهدت الدولة العثمانية بعد انتهاء حقبة السلطان سليمان القانوني في 1566 تراجعاً كبيراً على جميع الأصعدة والمستويات لأكثر من قرنين متواصلين اعتلى خلالها العرش العثماني 17 سلطاناً غالبيتهم ساهموا في إضعاف دولتهم ولم يضيفوا شيئاً، فبعضهم توفي بعد فترة وجيزة من حكمهم، وآخرون اعتلوا العرش وهم في سن الطفولة مثل أحمد الأول (1603-1617) وعثمان الثاني (1623-1640) اللذين كانا في ال14، ومحمد الرابع الذي كان في عمر السابعة حين اعتلى العرش (1648- 1687)، وفي تلك الفترة عزل 4 سلاطين (مصطفى الأول، وإبراهيم الأول، ومحمد الرابع، وأحمد الثالث)، وكان صغر أعمار بعض السلاطين خلال تلك الحقب الزمنية فرصة لحكم النساء (حريم السلطان) وسيطرتهن على شؤون الدولة ما أدى إلى تراجع الجيش العثماني في ظل عدم قيادة الكثير من السلاطين للجيوش كما كان في الماضي، وضعفت الدولة في ظل انغماس الكثير من السلاطين في الترف والملذات وافتقارهم للكفاءة والخبرة إضافة إلى انتشار الفساد داخل الجيش الانكشاري (إسماعيل ياغي، الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث، ص 139-140). ونتيجة للضعف والوهن الذي أصاب الدولة العثمانية، بدأت الدول الأوروبية تتصارع على أملاك الدولة العثمانية وهي المرحلة التي أطلق عليها «المسألة الشرقية» وهي سلسلة اجتماعات ونقاشات دارت بين قادة أوروبا في القرن ال18 بعد هزيمة العثمانيين في الحرب الروسية العثمانية عام 1774، وكان السائد حينها أنها على وشك الانهيار فبدأت بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى في العمل على تأمين مصالحها الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية في الدولة العثمانية، وعلى إثر تلك النقاشات اتخذت بريطانيا والنمسا والمجر موقفاً حاسماً في الحفاظ على كيان الدولة العثمانية لضمان بقاء مصالحها وتجنباً لوقوع نزاعات بين الدول الأوروبية على أملاك الدولة العثمانية في حال سقوطها (Elie Kedourie، England and the Middle East، 1956، P 10). ثم اعتلى العرش سليم الثالث في 1789 وفي عهده انطلقت إصلاحات مقتبسة من أنماط فرنسية وكانت تلك بداية تشكل الاتجاه العثماني العلماني باستنساخ القوانين والأنظمة وفق المبادئ الأوروبية، وتجاوبت مع تلك التوجهات العلمانية والتحديثية والتغريبية شريحة واسعة من النخبة البيروقراطية التي وجدت في النموذج الأوروبي في الحكم والإدارة والمجتمع نموذجاً أفضل لها في ظل الازدهار والتطور في أوروبا، ولكن حصلت مقاومة قوية من رجال الدين والجيش الانكشاري قلصت حدة التغييرات وتسارعها، ولكنها كانت تلك بداية مرحلة الانحلال والاضمحلال على جميع الأصعدة. مرسوم «كلخانة» والدستور البلجيكي بعد بدء استنساخ النماذج الأوروبية في الدولة العثمانية تجلت معالم العلمانية خلال القرن ال19 والقرن ال20 مع قائمة طويلة من القرارات والقوانين والمشاريع، من بينها حل الجيش الانكشاري في 1826 بعد مقاومة استمرت عدة سنوات، وتأسيس جيش جديد على النمط الأوروبي شمل تعيين مستشارين وخبراء وقادة أوروبيين، وكان ذلك في عهد السلطان محمود الثاني (1808-1839) الذي أعلن أيضاً إقرار مبدأ المساواة بين الملل وفصل الدين عن الدولة، بقوله: «إنني أدرك منذ الآن فصاعداً أن المسلمين مسلمون في مساجدهم، والمسيحيين مسيحيون في كنائسهم، واليهود يهود في معابدهم، وخارج هذه الأمكنة الجميع متساوون»، وشكلت تلك القرارات والتحولات اختراقاً خطيراً للدولة العثمانية وتسببت في تغيير هويتها، ثم توالت بعدها التحولات المتسارعة ومالت الدولة نحو التغريب كاستراتيجية عامة، حيث شهدت تلك الفترة إقرار اختلاط التعليم في المدارس وبين جميع الملل. ثم في عهد السلطان عبدالمجيد الأول (1839-1861)، صدر ما يسمى «مرسوم كلخانة» أو فرمان «التنظيمات»، وبه بدأت حركة إصلاحات أوسع على النمط الأوروبي المعروفة في المراجع تحت مسمى «التنظيمات»، وكان هذا المرسوم تحديدا هو أول عهد دستوري في تاريخ الدولة العثمانية وضع قواعد الإصلاح على المبادئ والقيم الأوروبية تماماً (إسماعيل ياغي، الدولة العثمانية، ص153)، ووفق هذا العهد أعطي أهل الذمة نفس الحقوق مع المسلمين وفق القانون وتم إلغاء الجزية، ولكنه لم يطبق بشكل كلي نتيجة اعتراضات كثيرة من طبقة المحافظين وحدوث حالات تمرد بسبب التباس وتعارض الكثير من التغييرات مع الشريعة الإسلامية بشكل صارخ، ولكن التغيير كان واقعاً. ثم جاء التحول الأكبر نحو العلمنة لإقرار الدولة العثمانية دستور 1876 المستنسخ من الدستور البلجيكي الصادر عام 1831، وهناك كانت مرحلة الفصل التشريعي بين الدين والدولة، ورغم الانتقادات الحادة التي طالت إعلان إقرار الدستور من قبل التيارات المحافظة، إلا أن المفتي (شيخ الإسلام) وصفه بأنه «دستور مطابق للشريعة» (إبراهيم خليل أحمد، الجذور التاريخية العلمانية في تركيا، ص14- 16)، وجاء إقرار الدستور العثماني بعد 4 أيام من تعيين مدحت باشا رئيساً للوزراء في 19 ديسمبر 1876، وهو من نسب له إعداد هذا الدستور العلماني، وقد كتب حينها السفير البريطاني في إسطنبول هنري إليوت إلى اللورد دوبري في وزارته في العاصمة البريطانية لندن يقول: «إن مدحت باشا بلا شك هو أنشط الليبراليين في الدولة العثمانية، إنه رجل عمل، ودعم باستمرار المساواة بين المسلمين والمسيحيين»، وعلق المستشرق برنارد لويس على الدستور العثماني، قائلاً: «بدأ ذلك بمجرد أن دخل مدحت باشا إلى الحكومة، إذ شكل مجلساً من رجال دولة وعلماء، وأوكل لهم مهمة تحرير النص الدستوري»، وأضاف: «استوحى الدستور العثماني الكثير من الدستور البلجيكي»، وأدى إقرار الدستور إلى العديد من الصراعات الداخلية التي أطاحت في نهاية المطاف بمدحت باشا صانع فكرة الدستور وتم نفيه. وربما لن يصدق البعض أن السلطان العثماني الذي وافق على إقرار الدستور العثماني «العلماني» في 1876 هو السلطان عبدالحميد الثاني الذي نصب نفسه لاحقاً «خليفة» على المسلمين. قانون الممارسة المثلية 1858 خلال مرحلة العلمانية والأوربة التي كانت تمر بها الدولة العثمانية على جميع الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية منذ مطلع النصف الأول من القرن الثامن وفي خضم تلك التحولات التي سبقت إقرار الدستور العثماني العلماني في 1876، قامت الدولة العثمانية في عهد السلطان عبدالمجيد الأول بإلغاء تجريم ومعاقبة الأفعال الجنسية المثلية في عام 1858 ضمن إطار تشريعات مرسوم «كلخانة» وفرمان «التنظيمات» المستمدة من القوانين الفرنسية في عهد نابليون (إحسان يلماز، القوانين الإسلامية، السياسة والمجتمع في الدول الحديثة، 2005، ص90). وبموجب هذا القانون تعتبر الدولة العثمانية سبقت الكثير من الدول الأوروبية والغربية في إباحة ممارسة الشذوذ الجنسي، فبريطانيا العظمى أقرت الشذوذ بين النساء في 1886 بعد الدولة العثمانية بنحو 3 عقود، وإيطاليا ألغت تجريم المثلية في 1890 أي بعد 32 عاماً من إلغاء العثمانيين تجريم المثلية، وكذلك سبق العثمانيون الأمريكان في إقرار السماح بالممارسات المثلية بأكثر من 145 عاما (26 يونيو 2003). ولا يزال هذا التشريع سارياً حتى بعد تأسيس جمهورية تركيا الحديثة وإلى يومنا هذا، وقبل إصدار قانون 1858 كانت السلطات العثمانية متساهلة معها ولم تتخذ مواقف صارمة تناهض المثلية إلا في حالات الاعتداء الجنسي والاغتصاب. أما الأسباب المباشرة في إصدار هذا النوع من التشريعات في العهد العثماني، فهي مرتبطة بمرحلة دخول الإمبراطورية العثمانية مرحلة التفكك والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت بسبب الحروب التي وقعت في القرن ال19 واستمرت سنوات، وخاصة خلال حرب القرم عام 1854، حيث هاجر مئات الآلاف من روسيا والبلقان إلى إسطنبول ومناطق مختلفة من الأناضول ومعهم آلاف الجنود البريطانيين والفرنسيين العائدين من الجبهات بعد مشاركتهم كحلفاء مع الجيش العثماني خلال الحرب، حينها بدأ البغاء بكافة أشكاله في الانتشار بشكل واسع في البلاد (نوران لايتننج، الممارسات الصحية الوقائية من الإصلاح إلى الجمهورية، مؤسسة موسوعة جمهورية تركيا، المجلد الخامس، ص1329). الشذوذ في المجتمع العثماني من القرن ال16 إلى القرن ال19، انتشرت ظاهرة ال«كوجيك» (Köçek)، وهم غلمان صغار من أبناء الرعايا المسيحيين في البلقان ودول شرق أوروبا التي غزتها الدولة العثمانية، وكان يتم انتزاع هؤلاء الغلمان عادة من أهاليهم وأسرهم بعد انتصار الجيش العثماني في المعارك كضريبة تعرف بمسمى «ضريبة الغلمان» أو «ضريبة الدم»، وتراوح أعمارهم بين 8 و10 أعوام، ويتم تدريبهم على الرقص الماجن المثير جنسيا ويفرض عليهم ارتداء ملابس النساء ووضع الماكياج وكامل أدوات الزينة النسائية، وكان زيهم مكونا من سترة مخملية مطرزة حمراء اللون مع قميص حرير مطرز ذهبي، وبنطال فضفاض يسمى «شلفار» وفوقه تنورة طويلة وحزام مذهب. في نهاية القرن ال18 كان من بين الكوجيك من أصبحوا نجوماً ومشاهير في المجتمع العثماني، وكان الغجري بنلي علي من مدينة ديميتوكا العثمانية (تابعة لليونان الآن) من بين الأكثر شهرة، وكذلك الراقص بويوك أفيت وهو من أصل كرواتي، وسينجن إسماعيل الشهير ب«إسماعيل الغجري»، وقد كان هناك على الأقل 50 من ال«كوجيك» أصبحوا نجوماً في ذلك الوقت، ويقيمون فقراتهم الراقصة التي أصبحت جزءا من الفلكلور العثماني في الفنادق الشهيرة (إردير زات، Raki: The Spirit of TurkeyK، ص 93). وكان من بين الزوار الغربيين الذين حضروا حفلات ال«كوجيك» في القرن ال19 الشاعر الإنجليزي اللورد بايرون، ويروي رفيقه في السفر جون كام هوبهاوس في مذكراته أنه في يوم السبت 19 مايو 1810 ذهب مع بايرون إلى إحدى الخمارات في منطقة غلاطة في إسطنبول، ورأوا هناك صبيين شاذين من الكوجيك يرقصان كالنساء ويقبلان بعضهما بشكل مقزز، وكان حاضراً معهم أحد الانكشاريين المرافقين لرئيس البعثة الدبلوماسية في إسطنبول آنذاك السير روبرت أدير، وكان يتحدث الإنجليزية وأقام في إنجلترا لفترة، فسألوه ما إذا كان هؤلاء الصبية قد يُشنقون إذا رقصوا هكذا في إنجلترا، فأجاب: «أوه نعم، مباشرة»، في إشارة واضحة إلى أن تلك الدرجة من المجون لم تصل إليها بريطانيا العظمى في ذلك الوقت. وفي القرن ال17، كان المدلكون في الحمامات التركية من الغلمان والشباب يعملون على غسل الزبائن والعمل بالجنس، ويحتفظ الأرشيف العثماني تحت تصنيف (Dellâkname-i Dilküşâ) بأسماء العاملين في هذه المهنة وقوائم أسعار خدمات الجنس المثلي، وفقا للباحث التركي درويش آغا (هاينز دوثيل، أعطي الحب فرصة، ص 243). ومع انتشار المومسات ودور البغاء، بدأت ثقافة ال«كوجيك» في الاندثار تدريجياً منذ عهد السلطان عبدالعزيز (1861) إلى عبدالحميد الثاني (1908)، فمنذ النصف الأخير في القرن التاسع وحتى عام 1920 تم فتح أكثر من 175 بيتاً للبغاء في عدة مناطق من إسطنبول أشهرها بيوغلو وغالاتا وأوسكودار وكاديكو (محمد تميل، الوضع الاجتماعي في إسطنبول، ص 254-255)، (كلارنس ريتشارد جونسون، إسطنبول 1920، ص 306-315)، وبعد أن اختفت ظاهرة شواذ «الكوجيك»، كتب رجل الدولة الأديب والمؤرخ العثماني أحمد جودت باشا تقريراً إلى السلطان عبدالحميد حول هذه المسألة، قائلا: «لقد ازداد عدد محبي النساء، في حين انخفض عدد محبي الفتيان، وكأن شعب لوط قد ابتلعته الأرض، لقد تم الآن إعادة توجيه الحب والألفة اللتين كانتا في إسطنبول نحو الفتيات، وفقاً لحالة الطبيعة، والتي كانت سابقًا موجهة نحو الشباب بشكل سيئ» (ماجدة مخلوف، تحولات الفكر والسياسة في التاريخ العثماني: رؤية أحمد جودت باشا في تقريره إلى السلطان عبدالحميد الثاني، دار الآفاق العربية، ط1). المثلية في تركيا الحديثة تركيا دولة غير إسلامية وفقاً لدستورها الذي أزال جملة «الإسلام دين الدولة» منذ 96 عاماً، ولا ينص الدستور التركي على أن للدولة دينا رسميا، لذلك لا حرج في أن يحظى المثليون والمثليات ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولون جنسياً في تركيا بالعديد من الحقوق والامتيازات، ولا تعتبر العلاقات بين المثليين جريمة في القانون التركي، فيما يعتبر سن 18 عاما هو السن القانوني للممارسة الجنسية للمثليين، وجميع المثليين والمتحولين جنسياً لهم الحق في طلب اللجوء إلى تركيا بموجب اتفاقية جنيف منذ عام 1951، وكذلك تم السماح للمتحولين جنسياً بتغيير جنسهم في الوثائق القانونية الحكومية منذ عام 1988، وفي ديسمبر 2017 أقرت تركيا السماح للشواذ العاملين في البغاء بالبحث عن زبائن في الشوارع بقرار من المحكمة الدستورية. وفي عام 1995 رشح حزب الحرية والتضامن في تركيا ديميت ديمير في انتخابات المجلس المحلي في مدينة إسطنبول، ليصبح رسمياً أول مرشح متحول جنسياً، ومنذ الثمانينات الميلادية أفصح الكثير من الشواذ عن مثليتهم علنا، مثل الكاتب والشاعر موراثان مونغان، ولم يعد الإفصاح عن المثلية الجنسية أمراً محرجاً للشخصيات المعروفة في المجتمع التركي، وفي الفترة ذاتها أعلن حزب الخضر الديمقراطي التركي دعمه لحقوق المثليين. حرية الشواذ في كنف أردوغان دافع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل انتخابه رئيساً للوزراء في 2003 عن حقوق المثليين، وصرّح آنذاك، قائلا: «ينبغي منح المثليين جنسياً الحماية القانونية لحقوقهم وحرياتهم»، وكذلك يجد الرئيس أردوغان دعماً قوياً من الشواذ، ومن أبرز هؤلاء المطرب الشعبي المتحول جنسيا ديفا وحملات الدفاع التي قادها في احتجاجات 2013 من النماذج القوية على تأييد الشواذ للرئيس التركي الذي شهد عهده أكبر قدر من التمكين يتلقاه الشواذ في تاريخ تركيا على الصعيد الحقوقي والقضائي والاجتماعي والسياسي، ففي عهده الزاهر بدعم الشواذ شهدت تركيا أول مسابقة اختيار ملكة جمال المثليين جنسياً، وتأسيس أول مكتبة متخصصة في الشذوذ الجنسي، وإصدار أول مجلة للمثليين، وتم كذلك إقامة أول حفل قران علني لزواج شابين مثليين في تاريخ تركيا رغم أن القانون لم يسمح بعد باعتماد زواج المثليين. وفي عام 2009، تم منع حكم كرة القدم خليل إبراهيم دينسداك من تحكيم المباريات بعد أن أعلن مثليته الجنسية، إلا أن القضاء أمر الاتحاد التركي لكرة القدم بدفع مبلغ 23 ألف ليرة تركية كتعويض عن إبعاد الحكم وتمت إعادته. وفي 2012 عاقبت محكمة الاستئناف العليا في تركيا، الكاتب الصحفي سيردار أرزيفن، حيث فرضت عليه غرامة قدرها 4 آلاف ليرة تركية بعد أن نشر مقالاً في صحيفة «يني أكيت» وصف فيه المثليين بالمنحرفين، وفي يوليو 2014 قضت المحكمة العليا في تركيا بأن أي إشارة للمثليين بأنهم «منحرفون» تمثل خطاب كراهية. وفي 30 يونيو 2013، اجتذبت مسيرة «فخر إسطنبول» نحو 100 ألف من الشواذ، وهي مسيرة سنوية ينظمها المثليون في إسطنبول آخر يونيو، وكانت أول مسيرة لها في العام. وخلال أحد المؤتمرات الشبابية المفتوحة مع طلاب الجامعات في عام 2014، سأل أحد المشاركين أردوغان حول مدى موافقته على الاعتراف بحقوق المثليين في تركيا، فأجاب: «من الضروري أن نعترف بحقوق المثلية وينبغي أن تكون محمية حتى من قبل القانون في ضوء حقوقهم وحرياتهم وأرى أن المعاملة التي يواجهها المثليون من وقت لآخر في مشاهدة التلفاز غير آدمية». وفي فبراير 2014، أشاد المطرب المثلي المتحول جنسياً بولنت إرسوي المشهور ب «ديفا» بالرئيس أردوغان وتأييده للمثليين، وقال إرسوي خلال برنامج تلفزيوني على شبكة (SKY 360): «أعشق أردوغان. أنا أحبه. إنه رجل قوي»، كما سبق له دعم أردوغان خلال احتجاجات 2013، قائلا للمتظاهرين: «احتفظوا برد فعلكم وأخرجوه عند التصويت.. لقد شنقنا رئيس الوزراء مندريس، لكننا الآن نخجل لذلك دعونا نهدأ»، وفي يوليو 2016 استضاف أردوغان المطرب المثلي «ديفا» في شهر رمضان على مائدة الإفطار وأبدى له تقديراً على مواقفه الداعمة له، وهو ما أثار حيرة وسائل الإعلام حينها التي تساءلت: «كيف يمكن لرئيس يدعي أنه إسلامي ويحلم بالخلافة أن يكون لديه مثل هذا التوافق السياسي مع مطرب شاذ ولا يوجد رد فعل من ناخبيه المحافظين». وفي يونيو 2014، نظمت تركيا أول مسابقة لاختيار ملكة جمال المثليين جنسياً في البلاد، وتوج بالجائزة يانكي بيرام أوغلو ملكة جمال للمثليين، وهو رجل متحول جنسياً. وفي أغسطس 2014، وافقت السلطات التركية على إصدار مجلة «Gay Mag» وهي أول مجلة للمثليين الجنسيين في البلاد، وأكد حينها رئيس تحرير المجلة أمير أكجن، على حصول المجلة على اهتمام كبير وردود فعل إيجابية. وفي سبتمبر 2014 أقيم أول حفل قران علناً لشابين مثليين في إسطنبول بحضور وسائل إعلامية، فيما لا تعترف المحاكم بعد بزواج المثليين. وفي 2015، أعلن الحزب الديموقراطي الشعبي الكردستاني أنه سيكون لديه مرشح للمثليين، وأصبح حينها باريس سولو، أول رجل مثلي الجنس بشكل علني يخوض الانتخابات البرلمانية التركية كمرشح من الحزب الديموقراطي الشعبي، وفي فبراير من العام ذاته، أصبحت 2 من المتحولات جنسيا مرشحتين انتخابيتين بارزتين وهما: ديفا أوزينن عن حزب الأناضول في أزمير، ونيلر البيرق عن حزب الشعب الجمهوري المعارض في إسطنبول. وفي تركيا لا يتم حظر الأفلام المتعلقة بالمثلية الجنسية والشذوذ، وتعرض في دور السينما دون أي رقابة حكومية، وتباع كذلك على أقراص الفيديو. وفي قضية تعود لعام 2013 في إحدى محاكم إسطنبول اتهم أحد الأشخاص ببيع غير قانوني لأقراص فيديو رقمية تصوّر إباحية مثلية، وقضى حينها القاضي محمود إيرديملي بأن ممارسة الجنس المثلي فعل «طبيعي»، وذكر أنه ينبغي أن يتم احترام توجه الفرد الجنسي، وذكر أمثلة لزواج المثليين في كل من أوروبا والولاياتالمتحدة. في 10 يونيو عام 2018 الذي وافق يوم 26 من شهر رمضان المبارك، تم عقد مسيرة «فخر أزمير» السادسة للشواذ، وشارك فيها أكثر من 50 ألفاً من مجتمع المثليين في تركيا. ولا شك أن هذا الرصد ليس سوى جزء قليل، فقط لإيضاح واقع حقوق المثليين في حقبة الرئيس أردوغان. جمعيات المثليين في تركيا على الرغم من أن ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي أردوغان نفى السماح بقيام جمعيات معنية بحقوق المثليين في بلاده، إلا أن الحقيقة على العكس تماماً، حيث يسمح في تركيا بتأسيس منظمات للمثليين وتسجل بشكل رسمي كمنظمات غير حكومية، فيما رصدت «عكاظ» أكثر من 16 جمعية للمثليين في تركيا، تأسس بعضها منذ قرابة ال30 عاماً ولم يتم إغلاق أي منها. ومن أبرز هذه الجمعيات المثلية، «لامدا إسطنبول» التي تأسست في 1993 للدفاع عن حقوق المثليين والمثليات جنسياً في تركيا، وتم إطلاق دعوى قضائية في عام 2008 لإغلاق الجمعية لكن المحكمة الدستورية التركية رفضت القرار، ولا تزال «لامدا إسطنبول» موجودة. وفي سبتمبر 1994 تم تأسيس جمعية «Kaos Gay&Lesbian» المتخصصة في حقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً في العاصمة التركية أنقرة، وساهمت هذه الجمعية في إنشاء أول مكتبة متخصصة في كتب المثليين، وأصبحت كيانًا قانونياً في 15 يوليو 2005. وفي عام 1996 تم تأسيس منظمة «المثليين والمثليات في الجامعات» (LEGATO)، وافتتحت مكاتب لها في جامعة الشرق الأوسط التقنية وجامعة هاستيب في أنقرة ثم انتشرت في الكثير من الجامعات حول تركيا تحت مسمى «اتحاد LEGATO»، وفي 10 يناير 2001، قامت جميع مكاتب المنظمة (أكثر من 60 مكتباً) بترتيب تجمع كبير، وتعتبر حالياً أكبر منظمات المثليين في تركيا وأكثرها نشاطًا. وفي 2001 تم تأسيس رابطة «المثلث الأسود الوردي» في أزمير، وهي جمعية للتضامن ضد التمييز الجنسي، وسجلت رسمياً في عام 2009، وتم رفع دعوى إغلاق ضد الجمعية لانتهاكها الأخلاق العامة وحماية الأسرة ولكن تم رفض طلب الإغلاق في عام 2010، ولا تزال موجودة. وفي 2007 تم تأسيس جمعية تضامن مثليي إسطنبول (Istanbul LGBTT Solidarity Association)، وفي مطلع عام التالي تم تأسيس جمعية (LISTAG) وهي مجموعة تعمل على دعم وتضامن العائلات والأشخاص المثليين ومزدوجي الجنس والمتحولين جنسياً، ومقرها إسطنبول. ومن الجمعيات الأخرى (Hêvi LGBT Initiative) تأسست عام 2013 في إسطنبول عقب احتجاجات منتزه غيزي، وفي العام ذاته تأسست (Antalya Pink Caretta LGBTQ) ومقرها أنطاليا. القائمة طويلة ولا يسعنا حصرها في هذا الحيز، ولكن تم رصد أكبر قدر منها للرد على أكاذيب مستشار الرئيس التركي الذي ينكر وجود جمعيات المثليين ويدعي أن القانون التركي لا يسمح بها. «الإخوان».. على الشاكلة ذاتها أثبت تاريخ جماعة الإخوان على صعيد تنظيماتها ومؤسساتها والقيادات، أنها قد تبيح جميع المحرمات من أجل غاية الوصول إلى السلطة، حيث جنحت إلى الإرهاب من أجل انتزاع السلطة، والآن تغازل الغرب من نافذة حقوق المثليين، فأصبح لها باع طويل في شرعنة حقوق الشواذ لهثاً وراء السلطة، وللتأكيد على أن لديهم قدراً من البراغماتية والقابلية والجاهزية لإباحة جميع الموبقات وما حرمه الشرع من أجل السلطة. وفي 11 أبريل 2013 كتب عمر مصطفى رئيس الرابطة الإسلامية في السويد (الذراع السياسية لجماعة الإخوان) مقالا في جريدة «افتون بلاديت» عبر فيه عن موقفه من المثلية الجنسية قائلا: «أنا أؤمن بالدفاع عن قانون العلاقات الأسرية الذي يعطي الحق للمثليين أن يتزوجوا كما أنه يعطي للمؤسسات الدينية الحق في تحديد طقوس ومراسم عقد القران ما دامت لا تتعارض مع القانون السويدي». وفي أبريل 2015 أكد القيادي الإخواني راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تونس، في حوار أجراه معه الصحفي الفرنسي أوليفيه رافنيلو، أنه «يرفض تجريم المثلية الجنسية»، معتبراً أن «كل شخص حر في ميوله»، وأكمل: «إن ما يحصل داخل المنزل لا يعني أحدا.. هي خياراتك ولا يحق لأحد أن يملي عليك ما يجب فعله». وفي يونيو 2016 عقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس العموم البريطاني جلسة استماع لقيادات بجماعة الإخوان المسلمين من مصر وتونس والعراق، حول مفهوم الإسلام السياسي وعلاقته بالنظم الحاكمة، وتحدث حينها نائب مرشد الجماعة في مصر إبراهيم منير، عن موقف الإخوان من الحرية الجنسية ومدى قبول الجماعة بالمثليين، فأجاب: «الفرد في المجتمع له الحق في اختيار الحياة الجنسية في حياته الخاصة.. الأمر الطبيعي في المجتمع على الأرض الآن أن كل مجتمع له مثله وكل مجتمع له خصوصياته نقول إن الإنسان حر وإن الله أعطاه الحرية في أن يفعل ما يشاء.. الإنسان حر في أن يفعل ما يشاء». أما القيادي الإخواني الماليزي أنور إبراهيم الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء في عهد مهاتير محمد، فلم يكتف بآراء وفتاوى قيادات الجماعة حول المثلية بل اتهم وأدين بممارستها، وفي 1998 أقيل من جميع مناصبه وتم سجنه على خلفية اتهامه بالفساد المالي وممارسة اللواط، وتمت إدانته وقضى محكوميته في السجن، وفي عام 2009 رفضت المحكمة العليا الماليزية استئناف إبراهيم إسقاط تهم اللواط، وفي عام 2010 تمت محاكمته في قضية لواط جديدة. وفى يناير 2016 توجه وفد من أعضاء جماعة الإخوان إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأجروا لقاءات مع أعضاء في الكونغرس الأمريكي، بينهم مها عزام رئيسة ما يسمى «المجلس الثوري المصري» وأمينه العام وليد شرابي، ومعهما عضوان مما أطلق عليه «برلمان الإخوان»، وهما جمال حشمت وعبدالموجود الدرديري، وخلال النقاشات أبدوا عدم اعتراضهم على حقوق المثليين في إطار الحرية الشخصية للأفراد، وهو ما يناقض فكر الجماعة وأدبياتها وماضيها وحاضرها في التطرف والإرهاب. أما آخر حلقات الإخوان والمتاجرة بالدين للتقارب مع الغرب من خلال آرائهم المنفتحة على الشذوذ والمثلية الجنسية فكانت خلال الأسبوع الماضي، حيث أثار الداعية الإخواني الكويتي محمد العوضي دهشة الكثيرين بدفاعه عن حقوق المثليين جنسياً ومطالبته بعدم ظلمهم ومحاسبة من يتنمر على المثليين، قائلا: «العدالة هي القيمة العليا فوق الانتماءات وفوق كل ما ينبغي أن نطرحه.. ما هي أشكال المظالم التي سقطت على رؤوس من أطلق عليهم اصطلاح معاصر المثليين، سموا بالمثليين، شنو تعرضوا له من ظلم، الجواب بعد أن نعرف من هم هؤلاء»، وحين انهالت عليه الانتقادات، تراجع العوضي عبر مقطع فيديو جديد، وأشار إلى أن عنوان محاضرته (لا تظلموا المثليين) فهم بشكل خاطئ، مبرراً مقصده بقوله: «إن الظلم لا يجوز على أحد، لا السراق ولا القتلة ولا الزناة ولا مرتكبي الجرائم.. بل تعطي الإنسان الحكم العادل من الله، بمعنى أن لا بد أن تكون العدالة مع كل مجرم»، في إشارة منه إلى أنه يقصد أن المثليين مجرمون ولكن يستحقون العقاب العادل، وهو ما يناقض الكثير مما ذكره في محاضرته الأولى التي تحتوي على مضامين صريحة عن حقوق المثليين، وهو نفاق فاضح وتبدل في المواقف بأقصى درجات الميكافيلية.. الغاية تبرر الوسيلة.