عادة ما تكون النقاشات والحوارات الثقافية كاشفة لعقول الناس ومحددة لمدى اطلاعهم ومعرفتهم وحجم ثقافتهم سواء العامة أو التخصصية، وإذا كان المحاور ذكياً سيعرف جيداً كيف يكشف الجهلة المتسترين بالدرجات الأكاديمية خصوصا تلك التي تكون نتاج عمليات نسخ ولصق وقليل من بركة دعاء الوالدين. والحقيقة التي ينبغي أن نعترف بها هي أن نسبة كبيرة من الأكاديميين ذوي التخصصات النظرية في عالمنا العربي ليسوا سوى نماذج لما تنتجه منهجية النسخ واللصق، فالدكتور «فلان الفلاني» المتخصص في تاريخ دولة «بني الحطيطباجي» على سبيل المثال، ليس سوى نتاج قصقصة وإعادة تنسيق محتوى من 25 كتابا (ذات توجه واحد) في نفس التخصص مع قليل من الفذلكة الصياغية، وقد تكون هذه المراجع محددة له سلفاً من قبل المشرف على الدراسة؛ أي أنه لم يساهم حتى في اختيار بحثه، ولهذا نادراً ما نجد بروفيسوراً في التاريخ من بني جلدتنا لديه نظريات جديدة أو مثيرة تقلب الطاولة على من سبقوه وتقدم للتخصص أفكاراً ومحاوراً طلائعية وميداناً جديداً للبحث لأنها ناتجة عن الدراسة والتحليل الجاد والذكي كما يحدث في جامعات العالم الغربي. أما بروفيسور الأدب العربي «فلنتان الفلنتاني» فهو مجرد وعاء لثرثرات الباحثين والمؤلفين القدماء في ذات المجال، وجميع درجاته العلمية نتيجة الغَرف من أمهات كتب الأدب العربي والكتب المنسوخة منها مع إعادة الترتيب والصياغة لا أكثر، وغالباً سنجد لديه تقديساً عجيباً لتلك المرويات التي أكل عليها الدهر وشرب وكانت في وقتها مجرد حكايا سمر و«سوالف عرب على جال ضوهم»، لأن البروفيسور «الفلنتاني» في واقع الأمر لا يمتلك شجاعة وذكاء الباحث المبدع الذي يميل دائماً للتشكيك في كل شيء بحثاً عن الحقيقة، أو اصطياد معلومة هاربة من الكتب أو مخفاة قسراً في زمن معين لسبب أو آخر. ولو تمعنا في الأمر بشكل أكبر سنجد أن أغبى دكاترة «النسخ واللصق» وأكثرهم خطراً على الحضارة في جميع المجالات أولئك الذين يقومون بدور «حرّاس جهالة بعض القدماء» ويحولون أنفسهم إلى «جنود انتحاريين للدفاع عن ثرثرة من سبقهم»، وقد عرفت من هذه النوعية عدداً لا بأس به من «الأكاديميين المتكلسين» الذين يقضون جل وقتهم في محاربة الباحثين المبدعين ذوي النظريات المنطقية والطرح العقلاني المثير للرعب في نفوس الجهلة وتابعيهم، ذلك لأن هذا الطرح بكل بساطة يكشف عن مدى صغرهم علمياً وعقلياً رغم الألقاب الأكاديمية التي يحملونها، لكن المحزن بحق أن كثيراً من الباحثين المبدعين يتأثرون بسهام هؤلاء، وقد يجاملونهم أحياناً دون أن يدركوا أنهم يرتكبون بذلك جريمة في حق العلم وفي حق أنفسهم باستجابتهم لضغوط حزب ورقي لا يميزه إلا أنه «حافظ مش فاهم». كاتب سعودي Hani_DH@