على وجه التحديد، لا يعرف سمير عبدالرحيم (57 عاماً) كيف اخترق فايروس كورونا جسده، إذ ظل حريصاً على البعد الاجتماعي، والالتزام الجاد بتعليمات البقاء في المنزل، لم يعد الشهير في أوساط السودانيين ب «أبومازن» مشغولاً بتفاصيل إصابته مقابل شغفه بقصة انتصاره على الوباء، وبتعاطي السلطات الصحية مع كورونا الذي غدر به - في غالب الأحوال- في لحظة غفلة. حين دهمت الجائحة «ووهان»، في ديسمبر العام الماضي، وقف العالم مشدوهاً على تعاطي السلطات الصينية مع المصابين والمرضى المحتملين والأصحاء على حد سواء، إذ وظفت بكين ذكاءها الاصطناعي في التتبع والملاحقة والحماية والوقاية، وأضحى في إمكان المريض تسجيل تطبيق إلكتروني على رقم هاتفه ثم يدخل اسمه كمستخدم مع رقم هويته ليبقى على تواصل مستمر مع سلطات الصحة التي تبلغه على مدار الساعة بتطورات علاجه، وتنبيه الأصحاء بأن مصاباً أو مشكوكاً في صحته يقترب منه. من ووهان إلى جدة ما كان يحدث من اختراق الذكاء الاصطناعي لفايروس كورونا في «ووهان» في ديسمبر الماضي، لم يعد يثير دهشة أحد في «جدة»، إذ طبقت وزارة الصحة السعودية، ذات النهج مع «أبومازن» السوداني الذي شعر بآلام في عضلات الأرجل ما اضطره إلى مراجعة مستوصف خاص في حي البوادي، وأظهر جهاز القياس ارتفاع درجة حرارته إلى 37:7 وهو مؤشر غير جيد خصوصاً أن الارتفاع لازمه احتقان في الحنجرة، وبعد خضوعه لتحليل الدم، تبين وجود مؤشرات قوية لإصابته بالفايروس فأحيل إلى مركز صحي متخصص يتبع لوزارة الصحة. «استلم حالتي فريق من الأطباء والطبيبات، نجحوا في امتصاص صدمتي الأولى، - يبدو أنهم مدربون على مثل هذه المهمات - طلبوا مني ملء استمارة تدون فيها الاسم الثلاثي ورقم الهوية وعنوان المسكن وخارطة الموقع، ثم أخضعوني لعملية الفحص التي لم تستغرق أكثر من ثلاث دقائق.. وطلبوا مني العودة إلى المنزل وأن نتيجة الفحص ستصلني عبر رسالة نصية على هاتفي». في الثالث عشر من يونيو الجاري، أي بعد أقل من 24 ساعة من الفحص، وصلت رسالة نصية إلى «أبو مازن» على هاتفه، (عزيزي سمير: وزارة الصحة تبلغك بأن نتيجة فحص كورونا كوفيد التي أجريت لك في 6-12-2020 إيجابية «مصاب» وسيقوم الفريق الطبي بالتواصل معك. يجب عليك اتباع التالي،ألبس الكمام، أعزل نفسك عن أفراد عائلتك، ولمتابعتك طبياً حمل تطبيق «تطمن»). العلاج عن بعد من هذه اللحظة بدأ التحالف الثنائي بين وزارة الصحة السعودية والمصاب في مواجهة العدو المشترك عبر الذكاء الاصطناعي. طوال فترة العزل ظل يتلقى العلاج عن بعد، دون احتكاك مباشر مع الممارسين الصحيين من أطباء وأطقم تمريض، مكنته التطبيقات من التواصل مع أطبائه على مدار اليوم، ما إن يطرأ طارئ على وضعه الصحي، حتى يسعفه الذكاء الاصطناعي في ما يجب أن يفعله. «لم يكن أمامي خيار غير الالتزام الصارم بموجهات الصحة التي أمرتني بالبقاء في المنزل لأسبوعين، لم تنقطع اتصالات كوادر الصحة على مدار اليوم تسأل عن تطورات مرضي، وظلت الدكتورة «منى» إحدى كوادر الصحة، تلح في السؤال إن كنت أشعر بارتفاع في درجات الحرارة أو ضيق في التنفس أو سعال جاف مع نصائح طبية كان علي التعاطي معها بمنتهى الجدية والحسم، تناول مخفضات الحرارة، السوائل، والمواد المعينة على تقوية المناعة، وكعادتنا في السودان، لم أبخل على نفسي بالأعشاب البلدية والثمار الشعبية مثل «القرض» والينسون والحبة السوداء والعسل وعشبة القصد الهندي والليمون والزنجبيل.. لم تكن كل هذه الأدوية والثمار الشعبية قادرة على هزيمة الفايروس، إلا مصحوباً بالدعم النفسي من كوادر طبية تظل أسماؤهم عالقة بذاكرتي، ظلوا يوجهونني من على البعد بما يجب علي أن أفعله في فترة عزلي المنزلي، وظل محمد الغامدي، ياسر، هناء في متابعة حالتي على مدار الساعة معي. بشرة خير.. تجول بأمان لم يضطر أبومازن لمراجعة أي مستشفى طوال أيام عزله، بعدما وضعه تطبيق «تطمن» الذي خصصته الصحة للمرضى والأصحاء على حد سواء، في قلب المستشفى عن بعد، إذ ظل متابعاً لوضعه الصحي عبر التطبيق المرتبط بمنصة «أبشر»، ويتلقى التعليمات على مدار الساعة من ذات التطبيق أو الاتصال المباشر من كوادر الوزارة. وفي اليوم الرابع عشر من العزل المنزلي، تحديداً في الساعة التاسعة من صباح الخميس 25 يونيو، تلقى المريض «بشرة خير» عبر التطبيق تبشره بانتصاره على العدو الغامض «عزيزي سمير: مصرح لك بالتجول».. يختم أبو مازن: «35 عاماً قضيتها هنا في السعودية، ولم تتح لي فرصة كهذه، كي أقول: شكراً من القلب، لمن أسسوا لثقافة، الإنسان أولاً..».