يذكر التاريخ أن العرب هم أول من اهتم بدراسة علم الأصوات ما ترك أثراً عظيماً في النهضة الأوروبية، حيث أكد ذلك عدد من المستشرقين بقولهم: «لم يسبق الأوروبيين في هذا العلم إلا قومان؛ العرب والهنود». وقال المستشرق الألماني أرتور شاده المتخصص في علم الأصوات: «يستحق سيبويه بما وصل إليه من غايات علم الأصوات أن نعتبره مفخراً من أعظم مفاخر العرب». ودرس العلماء العرب علم الأصوات، إلا أن النحاة كان لهم قصب السبق في هذا المجال، فوضع الخليل بن أحمد نواة علم الأصوات الذي بناه فيما بعد، وثبّت دعائمه بما ورثه عن أسلافه وما زاده هو بفضل ذكائه وفطنته. ما جعل الدارسين المحدثين يعدونه رائد الدراسة الصوتية عند العرب، والواضع الأول لأصولها. ويعود لعلماء النحو الريادة والفضل في الدراسات الصوتية، حيث اكتشف علماء الغرب وجود علاقة بين اللغات الأوروبية واللغة الهندية القديمة، فأصبحت الحاجة ملحة لوجود دراسات صوتية ليقارنوا بها بين اللغات. ويعتبر علم الأصوات أحد فروع علم اللغة، ويهتم بدراسة الأصوات اللغوية، وتندرج تحته فروع كثيرة تختلف وتتضارب فيما بينها من حيث الأهداف والمنهج. فاللغة أصوات تتألف منها كلمات تنظم في جمل فتؤدي معاني مختلفة، أو هي على حد تعبير ابن جني: «أصوات يعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم». والصوت كما قال الجاحظ: «هو آلة اللفظ، والجوهرُ الذي يقوم به التقطيع، وبه يوجد التأليف، ولن تكون حركات اللسان لفظاً ولا كلاماً موزوناً ولا منثوراً إلا بظهور الصوت، ولا تكون الحروف كلاماً إلا بالتقطيع والتأليف». ولم يغب علم الأصوات عن مصنفات علماء العربية (في الطب والحكمة والموسيقى والنحو والصرف والعروض والبلاغة والأدب والقراءة والتجويد)، ذلك أنهم مازجوا بين هذه العلوم المختلفة حتى لا تكادُ تقع على كتابٍ فيها يخلو من كلام في علم الأصوات. قال أبو نصر الفارابيّ: «وعلم قوانين الألفاظ المفردة يفحص أولاً في الحروف المعجمة عن عددها، ومن أين خرج كل واحد منها في آلات التصويت، وعن المصوت منها وغير المصوت، وعما يتركب منها في اللسان وعما لا يتركب». ويعدّ كتاب العين للخليل بن أحمد، والذي بُني على أساس صوتي، أول دراسة صوتية منظمة وصلت إلينا في تاريخ الفكر اللغوي عند العرب، وتلاه كتاب سيبويه «حاوي علم الخليل» الذي تضمن دراسات صوتية تتعلق باللهجات والاستدلال لها، ثم تتابعت كتب النحو واللغة بعد سيبويه بتخصيص دراسات صوتية تتعلق بمخارج الحروف وصفاتها منها المقتضب للمبرد، والأصول في النحو لابن السراج، والجمهرة لابن دريد، والمفصل للزمخشري. وأكد علماء أن أصول وأبحاث علم الأصوات لم تستقر إلا على يد ابن جني؛ فهو أول من أفرد المباحث الصوتية بمؤلف مستقل، ونظر إليها على أنها علم قائم بذاته في كتابه «سر صناعة الإعراب» الذي بسط فيه الكلام على حروف العربية، واتصفت الدراسات الصوتية عنده بالدقة وقوة الملاحظة وصحة الأحكام، وكان له أثر كبير في توجيه الدراسة الصوتية العربية وجهتها الصحيحة. وكثيرون هم الذين تحدثوا عن علم الأصوات من علماء العربية القدامى، إلا أن الذين خدموا علم الأصوات، وأضافوا إليه جديداً وصنّفوا ضمن رواد البحث الصوتي هم أربعة لغويين: الخليل، وسيبويه، والفرّاء، وابن جني، وستبقى مؤلفاتهم بمثابة مراجع للعلماء والطلاب في العالم كله حتى عصر الثورة العلمية الحديثة.