منذ تفشي جائحة فايروس كورونا المستجد والعالم بأسره يبحث عن علاج أو لقاح ملائم للجائحة. وقد تبنت جهات علمية داخلية وخارجية عدة مبادرات لدعم العلماء والباحثين لإيجاد حلول عملية سريعة تحد من ظاهرة التفشي الوبائي. حيث بدأ السباق العلمي للبحث عن لقاح أو علاج للحد من تفشي الجائحة. ضمن أحد أساليب العلاج المقترحة للجائحة، والتي لجأ إليها العلماء هي العلاج ببلازما أو مصل النقاهة من أفراد تغلبوا على فايروس كورونا المستجد وأنتجت أجسامهم أجساما مضادة مناعية ضد الممرض. حيث يتم إنتاج المصل المناعي طبيعياً نتيجة لتعرض الإنسان لمرض معدٍ، وتحتوي هذه الأمصال على الأجسام المضادة اللازمة لحماية الإنسان من الأمراض المعدية. وتُعرف الأجسام المضادة على أنها بروتينات ينتجها الجهاز المناعي للمساعدة في محاربة أي عدوى تدخل في جسم الإنسان أو الحيوان حيث تتعرف على مصدر العدوى وترتبط به وتقيده ثم تبدأ في تدميره بالتعاون مع خلايا مناعية أخرى. ويستمر إنتاج الجسم لهذه الأجسام المضادة لعدة أيام لحين التخلص من كافة جزيئات مسبب المرض. وينتج الجسم هذه الأجسام بتخصصية فائقة حيث تنتج وفقاً لكل مسبب مرضي. بدأت العديد من مراكز الأبحاث حول العالم في استخدام أمصال النقاهة، وكما ذكرنا يتم الحصول على المصل من دم حالات شفيت من جائحة كورونا المستجد، ويحتوي المصل على الأجسام المضادة الفاعلة ضد مسبب المرض. وقد أثبتت هذه التجارب قدرتها على كبح تضاعف الفايروس داخل جسم الإنسان. وأول تقرير عن العلاج بهذه الطريقة جاء من مدينة شنجين الصينية عندما شرعوا في علاج خمس حالات مصابة بفايروس كورونا المستجد؛ ثلاثة أشخاص منهم تغلبوا على المرض تماماً وأُذِنَ لهم بالخروج، واثنان كانا في حالة خطرة وقد زال عنهما الخطر بعد العلاج وأُذِنَ لهما بالخروج لاحقاً. وقد وجد أن المريض يحتاج لوحدة أو وحدتين من الأمصال ومن ثلاثة إلى سبعة أيام ليشعر بالتحسن. ومنذ ذلك الوقت بدأت العديد من الدول تجربة العلاج بأمصال النقاهة المحتوية على الأجسام المضادة الفاعلة ضد فايروس كورونا، بعض تلك التجارب أثبتت نجاحها وبعضها لم ينجح لأسباب مختلفة. تكمن أحد مشاكل العلاج بهذه الطريقة في أن رد الفعل المناعي للأشخاص المتعافين تختلف من شخص لآخر، وعليه تختلف قدرة المصل المحتوي على الأجسام المضادة على وقف تضاعف الفايروس. لذا تَوجَّبَ على الباحثين إيجاد حل سريع لانتخاب الأجسام المضادة الأكثر فاعلية من خلال تنقيتها واختبارها على فايروس كورونا المستجد. ولتفادي الطفرات التي قد تحدث للفايروس يمكن أن يتم انتخاب خليط من الأجسام المضادة عالية الكفاءة والمتخصصة في وقف قدرة الفايروس على الارتباط بمستقبلات الخلايا الحية، حيث يمكن أن ترتبط الأجسام المضادة الفاعلة على أكثر من مستضد بروتيني على سطح الفايروس. من خلال بعض التجارب المعملية يمكن انتخاب وإكثار الأجسام المضادة الفاعلة ضد الفايروس صناعياً لتغطي عدد الجرعات المطلوبة للمرضى على نطاق واسع. ويتم ذلك بعزل الخلايا المناعية المسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة ممن تعافوا من المرض ويتم استخدامها لصنع المزيد من الأجسام المضادة في المختبر، والتي تتم إضافتها إلى عينات من الفايروس التاجي لمعرفة ما هو الأفضل في منع تضاعف الفايروس، ومن ثم استنساخ تلك الأجسام المضادة أحادية النسيلة أو المصدر صناعياً لتكون متاحة للاستخدام في القطاع الصحي، وذلك بعد قبولها من المنظمات والهيئات المسؤولة عن تلك المنتجات. وترتفع قدرة هذا النوع من التحصين لدى الأشخاص المصابين بالمرض حديثاً أكثر من الأشخاص الذين مضى عليهم أكثر من 14 يوما في الإصابة. وتمتد فترة الحماية بهذا النوع من المناعة إلى أسابيع أو أشهر قليلة فقط. ويشترط لِجَمع أمصال النقاهة من المتبرعين عدة شروط، منها أن تكون من متبرعين قد مضى على خروجهم من المستشفى أكثر من 14 يوما، وأن يكون اختبار الكشف عن فايروس كورونا المستجد سلبياً، وأن يكونوا أصحاء، وأن تكون أمصالهم خالية من فايروسات الأمراض المعدية الأخرى مثل فايروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، أو فايروس التهاب الكبد الوبائي. ويتم تحديد عدد الجرعات والتركيز المناسب من الأجسام المضادة اللازم للحصول على الحماية أو العلاج قبل الشروع في حقن المُستَقبِل لتلك الأمصال، وذلك من خلال التجارب السريرية. وأخيراً لا يسعُنا إلا أن نشكر قيادات المملكة العربية السعودية حفظهم الله تعالى، فهم من وجهوا باتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية لمكافحة هذه الجائحة للحفاظ على صحة المواطنين والمقيمين والمخالفين. حيث قدمت المملكة الدعم المادي والمعنوي على المستوى الدولي من خلال مساهماتها المالية ضمن مجموعة العشرين (G20) وعلى المستوى المحلي من خلال تجنيد الجهات المعنية لتقديم الدعم اللوجستي وتوفير الدعم المالي لها. كما قامت بتحفيز ودعم الجهات البحثية والباحثين المتخصصين في المملكة لإجراء الأبحاث العلمية في مختلف المجالات لمكافحة فايروس كورونا المستجد، حيث قامت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وبالشراكة مع مجموعة من الجهات الصحية بتقديم منح بحثية، كما فتحت المدينة معاملها المركزية والمعامل الفرعية للجينوم السعودي حول المملكة لدراسة التسلسل الجيني لدى المصابين بفايروس كورونا المستجد مع شركائها في القطاع الصحي. وإنني أرجو من الله أن تلقى هذه الجهود ثمارها في رفع بلاء هذه الجائحة قريباً إن شاء الله. كاتب سعودي AlyamaniJ@