تاريخياً: هناك مسألة يهودية في الغرب. بالرغم من جدل الخلفية اليهودية المسيحية للثقافة الغربية، تعكس المجتمعات الغربية نظرة سلبية لليهود تصل لدرجة الاضطهاد العنصري. جربت الفاشية والنازية حلاً نهائياً للمسألة اليهودية، بتصفيةِ اليهودِ عرقياً. للإنصاف المسألة اليهودية في الغرب راجعة، في كثيرٍ من جوانبها، إلى اليهود، أنفسهم. تاريخياً: لم يقبل اليهود فكرةَ التعايشِ مع المجتمعات التي يعيشون بها، دعك تصور انصهارهم فيها. حافظَ اليهودُ على مظاهرِ ثقافتهم الاجتماعية، بخلفيتها العنصرية (الفوقية) المقيتة. صاحَبَ ذلك، تنامٍ لشعورٍ دفينٍ لديهم بالاضطهادِ، دفعهم لتطويرِ استراتيجيات عدوانية. عكس ما كانوا يتمتعون به من أمنٍ وسلامٍ في المجتمعات الإسلامية، لم يشعر اليهودُ بالأمن في المجتمعات الغربية، مطلقاً. الغربُ تعامل مع المسألة اليهودية، بوسائل وسبل عديدة، من بينها وأهمها، محاولة تصديرها للخارج. فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين اجتمعت فيها أساطير اليهود التوراتية بمصلحة الغرب. بفكرةِ إيجادِ مسألة صهيونية في الشرق، ظن الغربُ أنهم وضعوا أيديهم على الحل النهائي للمسألة اليهودية، في مجتمعاتهم. اليهودُ ينظرون لقضيةِ الوطن القومي لهم في فلسطين من خلالِ استراتيجيتهم الأمنية، المنبثقة من عقدة الإضطهاد المتجذرة في ثقافة «الجيتو». هم يعرفون أن إقامةَ إسرائيل، تعزز مكانةَ تواجدِهم في المجتمعات الغربية، أكثرُ من رغبةِ الغربِ في حلِ المسألةِ اليهودية. في حقيقةِ الأمر: لم يَحِلّ الغربُ المسألةَ اليهودية، بتحولِها إلى مسألةٍ صهيونيةٍ في الشرق. قيام إسرائيل كلفَ الغربَ كثيراً.. والتعهد باستمرارِ الدولةِ العبرية والحفاظِ عليها يكلفُ الغربَ أكثر، ليس مادياً وسياسياً، وأخلاقياً فقط، بل استراتيجياً، أيضاً. أصبحَ اليهودُ، في الغربِ، نافذين في مؤسساتِ صنعِ القرارِ ومتغللين بين مؤسساتِ المجتمعِ المدني، بصورةٍ أمنيةٍ خطيرة تتضاءل أمامها سلوكيات اليهودِ الماليةِ والربويةِ والاجتماعية اللا أخلاقية، في الماضي. في الغربِ، وفي الولاياتالمتحدة، بالذات، يتمتعُ اليهودُ بنفوذٍ كبيرٍ في الإعلام.. وعلى المستوى الأكاديمي.. ومؤسساتِ المجتمعِ المدني.. ومؤسساتِ صناعةِ القرار، متسلحين بقوانين تحارب العداء للساميةِ، تحرمُ أي انتقادٍ لإسرائيل، قد يتجه، يوماً، نحو التساؤل حول احتمالات التحذير من خطر استراتيجي تمثله إسرائيل على أمن الولاياتالمتحدة، نفسها. ظهورُ إسرائيلَ كقوةٍ إقليميةٍ مهيمنة في الشرقِ الأوسط، لا يهدد فقط أمنَ شعوبِ المنطقة، ولكن على الأمد الطويل مصالحَ وأمنَ المجتمعات الغربية، نفسها. الغربُ يتسترُ على برنامج إسرائيل النووي.. ويمولُ طموحاتها الاستراتيجية، في مجالات الأسلحة التقليدية وغير التقليدية.. وينفقُ بسخاءٍ على برنامجِها الفضائي. بحجةِ الدفاعِ عن أمنِ إسرائيل والتكفلُ ببقائها، يغفلُ الغربُ عن تنامي مقدرةِ الدولة العبرية الاستراتيجية، بصورة تفوقُ احتياجات أمنها الإقليمي، بمراحل. المسألةُ الصهيونيةُ، أخطر إستراتيجياً على الغربِ من المسألةِ اليهودية. لقد أوجد الغربُ «مارداً» يهودياً اسمه إسرائيل، بدأ يخرجُ من نطاق الوصايةِ الأبوية، إلى مجالِ التمردِ الأرعن، ليصلَ قريباً إلى مرحلةِ المواجهةِ الحتمية، استراتيجياً، مع الغرب. كاتب سعودي