ما الذي حلّ بالاستراحات، المواقع الأثيرة التي ظلت ملاذاً لأفئدة الشباب بالمواسم وفي عطلات نهايات الأسبوع، يمارسون فيها هواياتهم، وتحلو فيها جلساتهم ولقاءاتهم، يغسلون فيها هموم العمل والركض اليومي. ظلت الاستراحات في مثل هذا الشهر من كل عام ملتقى للجميع، تدب فيها الحياة، وجاءت الجائحة لتغير كل شيء، حتى صارت أماكن مهجورة يسود فيها الصمت، لا تسمع فيها إلا صرير الرياح بعدما هجرها عشاقها وروادها الذين تحتضنهم الآن جدران بيوتهم في عزل صحي إجباري حتى تتوارى الجائحة إلى غير رجعة ليعود للاستراحات ضجيجها، وتضيء مصابيحها وتثور دفقات مسابحها. أسهمت قرارات منع التجوال والتجمعات في توقف الشباب عن ارتياد الاستراحات، فلا أحد يعلم إن كان الفايروس يختبئ بين جدرانها وملاعبها ومسابحها ومطابخها.. إزاء هذا الهجران الإجباري أنهى بعض المستأجرين اتفاقاتهم مع ملاكها وألغوا عقود الإيجارات التي كانت تمتد أحياناً إلى أكثر من عام. ومثل كل نشاط اقتصادي جاذب، ظل ملاك الاستراحات يربحون المال الوفير في مثل هذه الأشهر من كل عام، وما عادت الأرباح تأتي إليهم بعد الجائحة.. فالرياح أحياناً تمضي غير ما تشتهي السفن. في العاصمة الرياض -مثلاً- ظلت الاستراحات ملتقى العائلات والشباب في رمضان، وظلت أسعارها الإيجارية ترتفع في المواسم وفي عطلات نهاية الأسبوع، وهو الأمر الذي لم يتحقق حالياً بعد أن أطفأت الاستراحات مصابيحها وأغلقت أبوابها في انتظار الفرج. ويؤكد عدد من الشباب، تحدثوا ل«عكاظ» أن الالتزام بالتعليمات الصادرة من الجهات المختصة دفعهم إلى النأي عن الاستراحات مؤقتاً. وأشاروا إلى أن معظمهم على التزام باستئجارها من ملاكها لحين عودة الحياة إليها. وجاءت لائحة منع التجول لتضع مزيداً من الضوابط على هذه الاستراحات حفاظاً على سلامة روادها. المستهترون والمراهقون على بوابة الخطر كشف اختصاصيان في علم الاجتماع وجود مخالفات من فئات قليلة، وهي الأكثر حاجة للتوعية والنصح. وقال الاختصاصي الاجتماعي محمد الحمزة ل«عكاظ»: «تعددت المخالفات لقرار منع التجول بممارسات سلوكية عدة تعتبر من العادات التقليدية، مثل ارتياد الاستراحات التي أصبحت جزءا من الروتين للرجال بمختلف أعمارهم، إذ يجدون فيها مكانا أثيرا لممارسة هواياتهم، ولقاء الأصدقاء، ولعب البلايستيشن، ومتابعة المباريات، والطبخ ولعب البلوت. ومع الظروف الحالية كان لابد من التوقف عن هذا السلوك، والبعض للأسف وجد صعوبة في التعاطي مع التعليمات الجديدة، وفي ذلك مؤشر عن ضعف الذات وتدني الثقافة الصحية عن مخاطر الفايروس». وأضاف الحمزة أن هناك أشخاصاً يتحايلون على القرار بالتسلل واختلاق الأعذار الواهية أمام نقاط التفتيش دون الاكتراث بما قد ينشأ عن هذا الفعل من مخاطر، فما زال الخطر محدقاً بالجميع ولابد من ممارسة التباعد الاجتماعي حفاظاً على السلامة «العادات الاجتماعية تسببت في مخالفات عدة لتعليمات منع التجول في ارتياد المطاعم والتسوق المفرط والتجمعات في الميادين». ويتفق معه الاختصاصي الاجتماعي عبيد البرغش، الذي ينصح الجميع بالالتزام، فالدولة كانت سباقة بالتوجيه والتوعية والنصح بأخذ التدابير اللازمة والوقائية،ويبقى الدور الإعلامي المجتمعي مكملاً في التوعية، وما يحدث حالياً من بعض المستهترين والمراهقين مرفوض وسيواجه بالحزم من الجهات المعنية. المؤجرون.. تطالهم العقوبات في هذه الحالة يؤكد مستشار أمني ل«عكاظ»، أن الغرامات والحبس ستطال المخالفين لقرار منع التجمعات، كما ستطال ملاك الاستراحات وقاعات الأفراح والمناسبات حال مخالفتهم تعليمات وزارة الداخلية بمنع التجمعات. وقال المستشار الدكتور أحمد الأنصاري: «إن مثل هذه النشاطات تندرج تحت قائمة العقوبات التي أقرتها الداخلية بمنع إقامة النشاطات الاجتماعية لأكثر من 5 أشخاص، ومع الأسف هناك أشخاص لم يلتزموا بقرارات منع التجول؛ لذلك تقرر تغليظ العقوبات على مخالفي الإجراءات والتدابير الوقائية، فالدولة لم تتوان في بذل كل الجهود لحماية المواطنين والمقيمين على أراضيها، ويبقى الدور على الجميع في التعاون مع الدولة وأجهزتها بالالتزام بمنع التجمعات والتباعد الاجتماعي حتى تتم محاصرة الوباء ومنع انتشاره؛ كي لا تتكرر كوارث الوفيات التي حدثت في أوروبا؛ بسبب الاستهتار وعدم الالتزام بموجبات الصحة والسلامة العامة». الداعي والمدعو.. في العقوبة سواء أكد المحامي أحمد محمد رحيمي أن لائحة الحد من التجمعات جاءت في 8 بنود، تضمنت الأهداف وتعريف معنى التجمعات الممنوعة، وعرجت على تفصيل أنواع التجمعات وأنواعها وحددت الجهة المختصة بضبط المخالفات وهي وحدات أمنية متخصصة، إضافة إلى الوحدات المشرفة على منشآت القطاع الخاص. وساوت اللائحة في العقوبة بين من حضر أو دعا أو تسبب في التجمع، وأوجبت على كل من علم بأي من هذه المخالفات أن يبلغ، وجاء النص بالوجوب، ويعتبر كل من علم ولم يبلغ متسترا ويقع تحت طائلة العقوبة. وأضاف رحيمي ل«عكاظ»: ليكتمل عقد المنظومة، تلا اللائحة صدور تصنيف المخالفات والعقوبات الخاصة بمخالفي الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية، وجاءت العقوبات لتشمل المنشآت والأفراد، فمثلا التجمع غير العائلي داخل المنازل أو الاستراحات أو المزارع والمخيمات والشاليهات والمناطق المفتوحة لأهل الحي الواحد وغيره ونحوها فتكون العقوبة على من يملك مكان التجمع 15 ألف ريال، وفي المرة الثانية تضاعف العقوبة المقررة في المرة الأولى مع إغلاق المنشأة لمدة 3 أشهر، وفي حال التكرار تضاعف العقوبة المقررة في المرة الثانية مع إغلاق المنشأة 6 أشهر وإحالة المسؤول للنيابة العامة، بينما تكون العقوبة على الشخص 5 آلاف ريال وفي حال التكرار 10 آلاف ريال، وفي المرة الثالثة يحال المخالف للنيابة العامة، وهنا يأخذ الأمر منحنى آخر ويأخذ الصبغة الجنائية. من جانبه، شدد القانوني خالد البابطين على أن التجمع العائلي داخل البيوت والاستراحات والمزارع الأصل فيه الجواز حتى ولو كبرت العائلة أو تعددت الأسرة، ويشترط أن تربطهم علاقة سكنية، فقد يؤول سكن واحد لأسر متعددة عن طريق الإرث أو حتى الشراء على الشيوع، فيصبح تجمعهم رابطه الإرث أو الملك على الشيوع في المنزل أو المزرعة أو الاستراحة، والتنقل بين المزرعة والمنزل أو الاستراحة ممنوع إلا للضرورة.