في الوقت الذي ينشغل فيه العالم لمكافحة جائحة كورونا- كوفيد19، وتعطلت أو علقت فيه العديد من السياسات والبرامج الإصلاحية في أغلب دول العالم، لا تزال آلة الإصلاحات في السعودية تعمل وتنتج! إن ما اتخذته السعودية من إجراءات لمكافحة هذا الوباء والحد من انتشاره جديرٌ بالثناء، كون تلك الإجراءات ترتكز على النهج القائم على حقوق الإنسان (Human Rights Based-Approach) الذي يجد له أساساً في المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والمُوصى به من قبل مسؤولي وخبراء الأممالمتحدة، وفي مقدمتهم المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة/ ميشيل باشليت. ولكن ما هو جدير بالثناء بدرجة أكبر، هو أن الإصلاحات في المملكة لا تزال تتوالى في مختلف المجالات رغم انشغالها كغيرها من الدول في مكافحة وباء كورونا- كوفيد 19، إذْ لا يكاد يمر يوم إلا ويتم الإعلان فيه عن إصلاحٍ تشريعي أو مؤسسي أو قضائي أو إداري ونحو ذلك، كما كان عليه الحال قبل أن يجتاح هذا الوباء العالم، وكأن شيئاً لم يحدث! وأكثر من ذلك فإنه بالنظر إلى نوعية تلك الإصلاحات، نجد أنها ليست مجرد تغييرات تحسينية تحدث هنا وهناك، بل هي إصلاحات تاريخية بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى، ومنها ما يمثل حسماً لجدلٍ دام لعقود طويلة من الزمن على المستوى الوطني! وأبرز تلك الإصلاحات، صدور الأمر الملكي القاضي بإيقاف تنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة بعقوبة القتل (الإعدام) تعزيراً على الأحداث، وقرار المحكمة العليا المبني على أمر ملكي، الذي قررت فيه بالأغلبية أن على المحاكم الاكتفاء في العقوبات التعزيرية بالسجن أو الغرامة أو بهما معا أو أي عقوبة بديلة، مما يمثل إلغاءً لعقوبة الجلد التعزيرية. فبالنسبة للأحداث، فتجدر الإشارة إلى أنه قد صدر نظام الأحداث في عام 2018 متضمناً استبدال عقوبة الإعدام على الحدث (من الخامسة عشرة وحتى الثامنة عشرة من العمر) بعقوبة الإيداع في دار مخصصة للأحداث لمدة لا تتجاوز (عشر سنوات)، ولكن كان هناك عدد من الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم يعاقب عليها بالإعدام وهم لم يتموا سن (الثامنة عشرة) وصدرت عليهم أحكام نهائية بعقوبة الإعدام قبل صدور نظام الأحداث، وبالتالي فإنه لا ينطبق عليهم على اعتبار أن القوانين لا تطبق بأثر رجعي، كما أنه لا يمكن تطبيق نظام الأحداث عليهم وفق مبدأ «القانون الأصلح للمتهم» لأن الأحكام التي صدرت عليهم نهائية، لذلك فقد صدر هذا الأمر الملكي متضمناً إيقاف تنفيذ تلك الأحكام القضائية على أولئك الأشخاص وتطبيق نظام الأحداث عليهم. ومما يجدر ذكره في هذا الصدد، هو أن نظام الأحداث الصادر في عام 2018 وهذا الأمر الملكي يشملان جميع الجرائم بما فيها الجرائم الإرهابية بخلاف ما ذكرته بعض المنظمات غير الحكومية مثل العفو الدولية. وبالنسبة لعقوبة الجلد، فبعد صدور توجيه الملك باعتباره مرجعاً للسلطات في المملكة، وصدور قرار المحكمة العليا بالاكتفاء بعقوبات السجن أو/ والغرامة أو أي عقوبة بديلة في قضايا التعزير، فلن يكون هناك عقوبة جلد تعزيرية إطلاقاً. وفي شأن هذين الإصلاحين تحديداً، فقد تباينت ردود الأفعال العالمية، فبعض الأطراف الدولية (الدول والمنظمات ونحوهما) رحبت بهما واعتبرتهما منجزاً حقيقياً يضاف لسجل حقوق الإنسان في السعودية، في حين أن البعض لم يبدُ سعيداً بهما من خلال اطلاعنا على البيانات الصادرة عنهم، بل إن منهم من حاول جاهداً أن يحجم من أهميتهما، وأن يشوّش عليهما لحاجة في نفسه! المهم في هذا السياق، والذي ينبغي أن تدركه جميع الأطراف الدولية وخاصة أولئك الذين يرددون عبارة «ضغوط دولية»، هو أن السعودية، وخاصة في مجال حقوق الإنسان، لا تقوم بأي إصلاح، ولا تتخذ أي تدبير إرضاءً لطرف دولي سواء كان دولة أو منظمة، وإنما يتم ذلك عن قناعةٍ تامة، سواء كان ذلك الإصلاح أو التدبير موصى به من قبل طرف دولي أو ينطلق من مبادرة وطنية، وبعد بحوث ودراسات مستفيضة تشارك فيها جميع الجهات المعنية بما فيها مؤسسات المجتمع المدني، وتخطيط محكم يوازن بين المحافظة على القيم الراسخة وبين الرؤى والتطلعات، ولا أدل على ذلك مما تضمنته «رؤية المملكة 2030» وما تحقق في إطارها من إصلاحات. * كاتب سعودي NaifMoalla@