موسم جديد من الدراما السعودية الرمضانية التي لا تقدم «فكرة» ولا تغري المشاهد ولا تليق بحجم التحولات الثقافية الهائلة في المملكة، بل تكرس نظرة نمطية عن عدم قدرة القائمين عليها على تقديم أعمال إبداعية تخرج من قبو «التكرار والسطحية» القابعة فيه لسنوات طويلة. وتتوه الأعمال الدرامية السعودية الرمضانية كل عام في حلقة مفرغة من «الضياع» و«اللا فكرة» إلا ما ندر، تكرار التجارب السابقة وتسطيح أفكار المجتمع لا ينفكان عن الارتباط بأغلب الأعمال السعودية، بحسب آراء النقاد والخبراء، ورمضان الجاري لم يكن استثناء عن المعتاد، إذ ظلت الدراما السعودية في ذات المستوى، مكررة طرحا قدمته من قبل في السنوات الماضية، وبمستوى فني أقل، عابه التسطيح، وشوهته لغة الوعظ المباشرة. ومن الملاحظ قلة الأعمال الدرامية السعودية المخصَّصة للموسم الرمضاني الحالي، مقارنة بالأعمال المعروضة الأعوام الماضية، نظراً لقيود الإغلاق ومنع السفر بين الدول بسبب جائحة كورونا، ما أعاق عجلة إنتاج الأعمال السعودية التي اعتادت أن تصور مشاهدها في الأشهر الثلاثة الأخيرة قبل بدء الموسم الرمضاني، ما يشير إلى غياب التنسيق المبكر والتحضير المسبق في إنتاج هذه الأعمال، واعتمادها على «تجليات اللحظات الأخيرة». وتتشابه أهم المسلسلات السعودية في رمضان في الأسلوب وطريقة العرض، بعد أن أصبحت دراما تناقش مشكلات المجتمع من منظور وعظي، مفتقدة للتجديد ومتخلية عن أفكار تجديدية تناسب أساليب سرد الحكايات المحلية المتنوعة. وشدد نقاد على أن مستوى الدراما السعودية ثابت طيلة السنوات الماضية عند مستوى سلبي لا يتحسن طيلة الأعوام السابقة ولا يمكن أن يسوء أكثر من ذلك، وطالت الاتهامات هذا العام القائمين على هذه الأعمال من منتجين ومديري قنوات متجاوزة الفنانين النجوم، ملقية باللائمة والمسؤولية عليهم إزاء عرض منتجات رديئة دون المحاولة الجادة لتطويرها طيلة سنوات. وهنا لا نعرف من حال دون ذلك، سلطة رأس المال وعدم رغبة شركات الإنتاج بخلق واقع جديد، أم غياب النص الحقيقي المؤثر؟ قدر القصبي الأبرز قدر الفنان ناصر القصبي أن يكون عمله السنوي سيد الشاشة الرمضانية السعودية، ليس لاعتبارات متعلقة بجودة العمل وفكرته ونجومه لكن ببساطة لأن بطله الرئيس هو ناصر القصبي، بات في حكم المؤكد أن القصبي يتعامل مع الانتقادات كل عام بهدوء مختلف عن السابق، قدره يقوده باعتباره النجم الأبرز في المملكة إلى أن يكون عمله الأكثر مشاهدة وتلقائياً الأكثر انتقاداً، فرغم وجود قرابة 8 أعمال سعودية أخرى تعرض على شاشات مختلفة تتجه الأنظار والانتقادات دوماً لعمل «مخرج7»، الأمر الذي يمنح القائمين عليه إلى بعض الارتياح حول تصدرهم للمشهد والكثير من المسؤولية. وفي محاولة غير مكتملة، كانت «مثالاً واضحاً» على تسطيح الأفكار في الدراما، تناول عمل «مخرج 7» قضية المثليين دون توصيف عميق للحالة ولا معالجة واضحة تفسر وتشرح أبعاد الحالة وتتناولها من جوانب اجتماعية ومعطيات درامية تبرر القضية، ما صاحبه هجوم كبير على العمل في مواقع التواصل الاجتماعي. يرى المخرج ثامر الصيخان أن دماء سعودية شابة تمكنت من اختراق مشهد الإنتاج في السعودية خلال السنوات الماضية، بعد سيطرة مجموعة محددة على المشهد لفترة طويلة. وفسر الصيخان في سلسلة تغريدات عبر حسابه في «تويتر» رداءة مستوى الأعمال، معتبراً «ما نراه حقيقة هو إعادة سنوية لاختراع العجلة بنفس «العدة المضروبة» الأفكار متشابهة والشخصيات متشابهة وإن كان هناك أي اجتهاد فهو مجرد استثمار لظاهرة اشتهرت فجأة في وسائل التواصل الاجتماعي وضمها إلى قائمة الأعمال». وفتح الصيخان الباب على مصراعيه حول وجود خبراء أجانب في منصات عرض الأعمال السعودية كالقنوات، يعيقون تطور الأعمال والصناعة بشكل عام، وقال «عندما يقول الخبير أننا لا نستطيع إنتاج دراما جيدة، يجب توجيه السؤال له وهو الذي مكث على صدر هذه الدراما أعواما دون أن يكون لديه خطة عملية لتطوير الصناعة حتى أن كثيرا من هذه الأعمال بات الخبير الأجنبي يسندها لشركات يملكها أجانب بحجة «التطوير» إلا أن إنتاجها أسوأ». واعتبر الصيخان أن الخبير الذي يحدد مسارات الدراما السعودية «غالبا يكون رجيعا من أسواق أكثر شعبية وقوة دراميا ولو ترك مكانه لدينا لما وجد فرص عمل في بلده أو في أي بلد فيه تنافس درامي». وشن الصيخان هجوماً على الخبراء بتهمة تشويه سمعة صانع المحتوى السعودي بينما هو المتحكم الحقيقي في كافة القرارات المفصلية للعملية الإبداعية والتي ستفشل لا محالة لأن غالبية الخبراء من نوعية «طقها والحقها». ورهن الصيخان قيام الدراما السعودية بالتخلص من أمثال هؤلاء الخبراء. وخابت توقعات الناقدة السينمائية علا الشيخ من أن تقدم الدراما السعودية هذا العام أعمالاً تتناسب مع الانفتاح الثقافي في المملكة، وبينت أن غالبية الأعمال الدرامية السعودية وقعت في فخ النمطية والتكرار في كل فئاتها تقريبا سواء الكوميدية أو التراجيدية وغيرهما. وأرجعت أسباب تراجع المستوى إلى عدة أسباب؛ منها غياب النص، المعضلة التي تشهدها أغلب الأعمال العربية، موضحة أن الإبداع سابقا كان يخرج من رحم الفكرة، أما ما نشاهده اليوم هو عبارة عن تفصيل سيناريو وحوار من أجل اسم ممثل، هذا الممثل نفسه هو الذي يتحكم بكل مجريات إنتاج العمل، واختيار من يقف أمامه مرورا بتدخله في النصوص، وليس انتهاءً باختيار قنوات البث. وأضافت الشيخ: «أن للقنوات مسؤولية أخرى والتي تشعر أنها تحولت الى شللية في طريقة اختياراتهم للأعمال المعروضة وتحديدا السعودية، خاصة أن بعض القنوات هي من تقوم بدعم وإنتاج الأعمال»، ولفتت إلى أن تقديس الممثل هو أحد الأسباب أيضاً، حيث لا يتم السماح لأي ناقد أو مشاهد محب بأن يعبر عن رأيه فيه بكل أريحية، وإذا فعل يخرج عليك بعض الإعلاميين ويحاولون ثنيك عن قول هذا الرأي، حتى بات الممثل فوق النقد، في وقت باتت اللغة البصرية تتطور لدى المتلقي الذي يساهد أعمالا درامية على مستوى العالم. ودعت الشيخ إلى منح الفرصة لأقلام جديدة يكون لها الدور في تقديم الافكار التي تتناسب مع المرحلة، والبحث عن مواهب تنتظر فرصة الظهور، وتعزيز دور ورشات التمثيل واختبارات التمثيل، وتعزيز ورشات تطوير السيناريو. وحمّل الناقد رجا المطيري مدير القناة مسؤولية تكرار إنتاج أعمال سيئة وبميزانيات كبيرة، مشيراً إلى أن مدير القناة يعرف أن اللوم سيتجه للممثل والمخرج والكاتب، لذلك لا يهمه لو فشلت كل الأعمال، لأنه لن يتعرض للمحاسبة. شماعة الرقيب يرمي العديد من المنتجين والمخرجين والممثلين برداءة أعمالهم إلى «شماعة الرقيب»، معتبرين في تصريحات عديدة تتبع عرض أعمالهم أن الرقيب كان قاسيا في التعامل مع العمل وغيرها من التبريرات التي تتنافى مع تصريحات ذات القائمين على الأعمال قبل عرض أعمالهم وهم يروجون لها. تقنيات الصناعة الدرامية الحديثة الغائبة في معظم الأعمال السعودية تكاد تكون السبب الرئيس وراء ضعف الأعمال، لا الرقيب طبعاً، بل الأسباب يؤكدها نقاد بأنها تكمن في عدم قدرة القائمين على تطوير أدواتهم وأساليبهم. كذبة «نقص المواهب» بالمختصر، هذه الدراما ليست للسعوديين، ليست لشباب روّاد نتفلكس، بل تعد النسخة الرخيصة منها، الجمهور السعودي الذي اعتاد على «نقد» الدراما الذي لا يمتلكها، اليوم يريد مئات الشباب أن يكون لهم دور أكبر في مستقبل الدراما، بات من الملزم على صناع الدراما الحاليين تغيير بوصلة اختياراتهم نحو مزيد من المواهب الشابة التي تملأ البلد من مختلف أطيافه، وتجاوز كذبة ندرة المواهب فالساحة مليئة بعناصر أثبتت وجودها في أعمال سينمائية قصيرة وغيرها.