أصبحت مسألة حقوق الإنسان من السمات الرئيسة للنظام الدولي المعاصر، وقد اهتم المجتمع الدولي بموضوع حقوق الإنسان في جميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية، بدءاً من ميثاق الأممالمتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 واتفاقية جنيف 1949، وصولاً إلى العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لقد جاءت حقوق الإنسان في صلب جميع هذه المواثيق الدولية وحمايتها من الانتهاكات والتعدي، ومع ذلك يحدث في كثير من الحالات أن تقوم الدول بتغليب المصلحة السياسية على مسائل حقوق الإنسان. ومع إدراك حقيقة أنّ العلاقات الدولية تبنى على المصالح، وخصوصاً ذات البعد الاقتصادي، فإنّه لا ينبغى التضحية بشرعة حقوق الإنسان ومبادئ العدالة والإنصاف، مقابل المصالح الإنسانية الأنانية والضيقة للدول. ويساور كثير من الدول القلق وهي ترى ما يجري في سوريا من انتهاك صارخ لمعايير حقوق الإنسان، والتدمير الممنهج لمدن وقرى، وقتل وتشريد أبناء هذا الوطن العربي، بينما تتزاحم الدول لبسط نفوذها السياسي والتطلع إلى مستقبل إعادة الإعمار الاقتصادي. والغريب أنّ هناك دولاً دأبت على رفع راية حقوق الإنسان، سواء كانت غربية أو ممن يدافع عن أفكار الليبرالية الاشتراكية، لم تحرك ساكناً أمام ما يجري، بل وتشيح النظر عن الانتهاكات الصارخة، والممارسات اللاإنسانية، والمخالفات التي تمس العدالة الاجتماعية في الصميم، في سوريا المنكوبة، أو فلسطينالمحتلة. مفهوم حقوق الإنسان يمثل قيمة عليا للبشرية، بعيداً عن الاعتبارات الأيديولوجية والمذهبية، أو الاستنساب العرقي، وهو الأمر الذي يجعل مصداقية هذه الدول الكبرى المؤثرة محط تساؤل، بل ريبة تهز ثقة العالم الثالث بها وبما تدّعيه من رعاية وصون لحقوق الإنسان. وفي ظل هذه الصورة القاتمة، نجد أنّ بعض الدول، وفي مقدمتها المملكة، تحرص على قيمة الإنسان وحقوقه، وتعمل إقليمياً ودولياً، دون تمييز، وتسجل المواقف الرفيعة في سجلات المنظمات الدولية المعنية ضد مثل هذه الانتهاكات والممارسات الشنيعة والبشعة، فضلاً عما تقدمه من مساعدات إنسانية هائلة لإسناد هذه المبادئ الأخلاقية والحفاظ عليها. المملكة ما فتئت تقف بجانب الحق والعدالة والتنمية، انطلاقاً من القيم الإسلامية، والتزاماً بقول الحق تعالى «ولقد كرّمنا بني آدم». لذلك نراها، داخلياً وإقليمياً ودولياً، تدافع عن حقوق الإنسان لضمان عدم تكرار الانتهاكات في المستقبل، باعتبار أنّ كرامة وحياة وأمن واستقرار الإنسان من الأمور الجوهرية التي لا يمكن التفريط بها، أو المساومة عليها تحت أي ضغوط، أو مصالح سياسية أو اقتصادية، وهو ما يجعل المملكة في موقع الريادة في حقوق الإنسان. * كاتب سعودي