هل كان العالم بحاجة إلى جائحة «كورونا»، كي يستفيق من غفلته، ويعود إلى إنسانيته؟ هل كشف الفايروس المدمر، أن الحروب وتغذية الصراعات لا طائل من ورائها سوى القتل والدمار والخراب؟وهل تيقن صناع القرار أن التنمية والعلم والاهتمام بالإنسان هو الضمانة لمواجهة كل الفايروسات من السياسة إلى الطب إلى العلوم الأخرى؟ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي، رأى أن «كورونا» أثر سلباً على الأوضاع السياسية العالمية ما أدى إلى تأجيل الاجتماعات والقمم الدولية والإقليمية. ولفت إلى أن هناك من يرى أن الفايروس القاتل تحول إلى خلاف سياسي في ظل حالة الشد والجذب بين واشنطن وبكين، ووصول الحرب الكلامية بينهما إلى ذروتها. واتفق مع الرأي القائل إن ما بعد «كورونا» سيكون مختلفا عما قبلها سياسيا واقتصاديا وهو ما سوف تكشف عنه الأيام القادمة. لكن اللافت خلال هذه «الصدمة» التي لا تزال تذهل العالم بأبحاثه وتجاربه ومعامله، هو أن الفايروس لم يقتل البشر فقط، إذ يبدو أنه فتك بالسياسة أيضا التي توارت كثيرا خلف الستار بخلافاتها ومكرها ودهائها، وحلت محلها دعوات التضامن والتعاون ومد يد العون في مواجهة «كوفيد 19». لكن ربما يكون السؤال الأصعب هو: ماذا بعد القضاء على «الجائحة»؟، هل تعود سباقات التسلح وإذكاء الفتن والطائفية وتسليح المليشيا إلى عهدها؟ أم أن تجربة «كورونا» سوف تكون ملهمة نحو طريق جديد يقضي على الصراعات وينهي الحروب ويعيد السلام؟ من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة، أن العالم كله أصبح تحت رحمة «كورونا»، لافتا إلى وجود عجز سياسي دولي كبير أمامه، لكنه لم يستبعد أن يكون له تأثير على أي انتخابات رئاسية قادمة في كثير من بلدان العالم. واتفق مع من يقولون إن هذه الأزمة فتكت بالسياسة ودفعت بها إلى الوراء قليلا، وفي رأيه أن الفايروس قضى على المظاهر السياسية ومنها الوقفات والاحتجاجات التي كانت تزلزل عددا من الدول. ورغم كل ذلك، بإمكاننا أن نقول حسنا فعل «كورونا» حين جفف منابع السياسة وخلصها من الرهانات الفردية، والمغامرات العدمية التي لا ترى إلا بعين المصلحة الشخصية «أردوغان أنموذجا»، وسواء كانت هذه النظرة الضيقة فردية أو جماعية، فإن صدمة الوباء حررت الذات وصهرتها في بوتقة الجماعة حتى ولو كانت بنوع من الاضطرار وليس الاختيار. لكن يبقى الرهان على أن اللحظة الراهنة ربما تدفع الساسة إلى إعادة صياغة خطابهم باتجاه أن يكون عالم ما بعد «كورونا» هو عالم التصالح ونبذ الفرقة ونشر السلام، وبذلك يكون الوباء قد وضع بصمته على الفعل السياسي.