روسيا أحد أعمدة استقرار السوق النفطية عالمياً، ولعبت دوراً كبيراً في الحفاظ على سعر عادل لبرميل النفط، وكانت شريكاً صادقاً مع السعودية في اتفاق (أوبك+)، ما الذي تغيّر؟! صغار المُنتجين في أوبك لم يتقيدوا بالحصص، وكان التزام السعودية وروسيا هو الثابت والميزان لتهدئة الأسواق والمُحافظة على الأسعار.. استمر الاتفاق حتى أصبحت أمريكا الدولة المُستوردة للنفط هي الأولى عالمياً في الإنتاج وبدأت تصدير الفائض. هنا ازدهرت صناعة النفط الصخري، وأصبحت الشركات الأمريكية تقترض الكثير من الأموال لتستثمر في هذا القطاع المُربح في ظل أسعار تنافسية جيّدة.. استغلّت روسيا هذا الازدهار وتخلّت عن اتفاق (أوبك+) لتنقضّ على الجميع، في محاولة منها لتدمير صناعة النفط الصخري في أمريكا وجعل الرئيس الأمريكي يواجه غضبة داعميه هي الأبرز في أمريكا، ولتنتقم من الرئيس ترمب بسبب العقوبات التي أقرّها على قطاع النفط والغاز الروسي، ولتجعل الرئيس في مواجهة مُباشرة مع شركات نفطية خاسرة وهي الداعم الأول له. هذا الانقضاض المُفاجئ أربك الرئيس الأمريكي وجعله لأول مرة لا يعرف ما الذي يفعله! نفط رخيص، لكن الثمن السياسي له سيكون باهظاً. كان الروس يتوقعون صمتاً سعودياً تجاه خطوة الضخ الروسي بلا قيود، لكن ما حدث كان العكس، السعودية أعلنت الإيعاز لشركة أرامكو بأن تعمل بأعلى طاقة إنتاجية ممكنة وأن تزيد من القُدرة التصديرية لتتخطى حاجز 12 مليون برميل يومياً.. أصبحت السعودية تخوض هذه الحرب لسببين: الأول: هو التأكيد على أن السعودية وبحكم أنها تُنتج نفطاً هو الأقل تكلفة عالمياً ستكون آخر المُتضررين.. الثاني: أن السعودية هي المُتحكم الرئيس في سوق النفط العالمية، وأنها في حال تخلّت عن هذا الدور سينهار اقتصاد العالم.. وهو ما حدث فعلاً، أزمة كورونا تطحن البورصات العالمية وهذه الحرب النفطية زادت الأمر سوءاً، هذا الاندفاع السعودي جعل الروس يتراجعون خطوة للوراء، وقد يكون لهم موقف آخر في قادم الأيام.. أمّا الغرب فقد تأكدوا أن السعودية هي اللاعب رقم واحد في تثبيت أهم سلعة عالمية وإبعادها عن السياسة وقضاياها.. أخيراً.. لم تترك السعودية للروس باباً مفتوحاً للمفاوضات، إمّا العودة للاتفاق أو لا شيء، وكما يبدو فإن هذه السياسة هي التي ستُجدي معهم. * كاتب سعودي [email protected]