يشهد العالم أزمة استثنائية بكل المقاييس فلا حديث سوى كورونا أو (كوفيد 19)، ولا هاجس حذر وخوف سوى من الإصابة والعدوى بمجرد مصافحة شخص غزاه الفايروس المستجد، الذي عزل مدنا وقرى وأوقف فصول الدراسة، وألجم التزاور وحتى المصافحة في العالم، ومنع لقاءات واجتماعات العمل، بل وحظر تجوالا في العديد من الدول، ووقف رحلات السياحة والسفر والرياضة وحتى المطاعم، ليفاجأ البشر بوجه آخر للحياة لم تره أجيال منذ زمن طويل وبهذا الشكل، وقد أضحت حركة العولمة بسياقها المتسارع أمام منحنى شديد أو توقف إجباري مؤقت عما اعتاده الإنسان في يوميه. لقد أربكت أزمة كورونا العالم بكل تداعياتها الصحية ومتغيراتها الاجتماعية، وفاتورتها الاقتصادية التريليونية، والحديث يطول من زوايا وأخبار لا حصر لها، وحتى شائعات على ألسنة البشر يجب التنبه لها والحذر منها، لكن الفرص عادة تأتي من رحم الأزمات مهما كانت صعوباتها، وقد كشفت أزمة كورونا المستجد في العالم كم هي أهمية العمل الإلكتروني، وضرورة توسيع استخداماته وخدماته، فهو وإن بدا عند الكثيرين وسيلة تسلية في التواصل الاجتماعي لمليارات البشر، إلا أنه السبيل الأنجح في تحقيق المصالح للدول والشعوب والأفراد، وأن الحكومة الإلكترونية ضرورة حتمية لكافة القطاعات وتيسير أمور الحياة، لذا لابد من استثمار الظروف الحاضرة في دفع خطوات الخدمات الإلكترونية إلى الأمام لنجني ثمارها في الحياة الاعتيادية. نعم الواقع الحالي فرصة عملية يصعب نظيرها بتجربة فرضية في أي دولة فكيف بالعالم أجمع ومجتمعاته يلجأ مضطرا إلى نظام الحكومة الإلكترونية في كافة أعماله، عدا خدمات وأعمال الطوارئ في مثل هكذا أزمة، في نفس الوقت كشفت مخاطر كورونا الحالية أهمية الأخذ بأسباب الوقاية من النظافة العامة والشخصية، ولعلها تكون ثقافة راسخة وليس أمرا مستجدا ثم العودة إلى ما كان بالتهاون في أسباب الوقاية، وفي اعتقادي أن الحاصل هو درس يجب أن نبني عليه في كل شيء صحيح ونافع. صورة أخرى بدت بجلاء وهي التفقد الميداني من الوزراء والمسؤولين لواقع الناس واحتياجاتهم، وقد تابعنا جولات وزراء الصحة والتجارة والصناعة على عدد من المواقع ذات الصلة بمهام وزاراتهم وأجهزتها، وهي رسائل طمأنينة لما نتمتع به -ولله الحمد- من نعم كبيرة في وطننا الغالي، وتدعو في نفس الوقت للمحافظة على أسباب الصحة ودوام النعمة والعمل لرفعة بلدنا. أخيرا وليس آخرا لابد أن ننظر داخل مجتمعنا بروح التطوع لمد يد العون لمن تضغط عليهم ظروفهم وعوزهم في ظل انشغال المجتمع بأزمة كورونا، التي نتمنى أن يواصلوا جهدهم ومبادراتهم الخيرية تجاه شرائح الفقراء وعمالة دنيا ومرضى يتطلعون إلى من يوفر لهم رعاية ويصل لهم بالدواء، ووجبات خيرية مثلما هو مجتمعنا في رمضان الذي تقترب نفحاته ليهل علينا بعد أسابيع معدودة. أخيرا تظل الحكومات بأجهزتها ومسؤوليها هي المعنية بحماية مواطنيها وتتخذ ما يلزم من قرارات وإجراءات احترازية واجبة النفاذ دون أدنى تهاون، وتستوجب التعاون والالتزام بها من الجميع، ووطننا -إن شاء الله- بخير ويتصدى للتحديات بكل مسؤولية وجدارة، ليس فقط بالداخل إنما بالتوازي مع دوره العالمي. فالمملكة تقود مجموعة العشرين وتعقد قمة استثنائية عبر الشبكة الافتراضية لمواجهة هذه الأزمة العالمية، والله نسأل أن يحفظ وطننا والإنسانية جمعاء بالخير. * كاتب سعودي [email protected]