في الأسبوع الثاني من ديسمبر 2019 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن التوصل لاتفاق تجاري مع الصين إثر حرب تجارية ضروس استغرقت عامين، الاتفاق قضى باستعادة التوازن الاقتصادي بين العملاقين، بعدما عانت أمريكا من تفوق تجاري صيني كاسح أعادها للصفوف الخلفية. كانت خطة ترمب تقضي بتسديد اللكمات دون توقف في وجه كل من يقف في طريق واشنطن بما فيها الصين، فقام الملاكم «ترمب» برتبة رئيس دولة برفع الرسوم على الواردات الصينية والتضييق عليها، لإجبار بكين على التفاوض وتقديم تنازلات صعبة، مهمة دونالد ترمب الوحيدة كانت استعادة دور واشنطن في أقصر وقت، وتمكين التصنيع والوظائف داخل أمريكا. لم تكن بكين مرتاحة لهذا الأمر واعتبرته بداية الأمر لا يخرج عن كونه دعاية انتخابية سيطويها النسيان بعد بضعة أشهر من دخول ترمب للبيت الأبيض، لم تكن الصين والعالم يدركان أن أمريكا الجديدة تنهض من سباتها وتطفئ ديونها، ولن تسمح لا لبكين ولا غيرها بلعب دور يهمشها. لقد قررت المؤسسات العميقة التي استدعت ترمب من الصفوف الخلفية وأعطته صلاحية العمل كبلدوزر، عدم السماح بأن تتحول واشنطن بعد بضع سنوات إلى مجرد «إمبراطورية» سادت ثم بادت. هناك سؤال كبير يتداوله المراقبون الاقتصاديون يقول: هل جاء الاتفاق متأخراً، هل ماطل الصينيون أكثر من اللازم حتى جاءتهم الضربة القاضية – والمقصود هنا فايروس كورونا، وبغض النظر عن فكرة المؤامرة وهل الفايروس تخلق طبيعياً أو صناعياً أو تسرب من المعامل الصينية نفسها أو زرع من قوى معادية خارجية، فإن الضرر حاق بطموحات الأمة الصينية بلا شك وأعادها للوراء عقوداً طويلة. خلال العشرين سنة الماضية تمددت بكين إلى داخل أفريقيا وأوروبا الشرقية وآسيا والشرق الأوسط، وأنشأت ما يسمى ب «طريق الحرير» مشكلة طوقاً اقتصادياً ضخماً، ولأن الطريق يصطدم بعوائق ودول قد لا تتعاون مع العملاق الصيني، قام المارد الأصفر ببناء استراتيجية هيمنة اقتصادية، فوفر مليارات الدولارات كقروض سهلة للدول الفقيرة والرخوة التي تقف أو تقترب من طريق الحرير، ثم عرض عليها الاستحواذ على موانئها والدخول في شراكات اقتصادية كونها لا تستطيع سداد ما عليها، ثم أكمل طريقه ببناء جزر في عرض المحيطات تكون قواعد متقدمة، بالطبع هي قواعد تصلح أن تكون مقرات للتجسس والإمداد العسكري على الرغم من استخدامها المدني لطرق الشحن الضخمة من وإلى الصين. لقد كاد كوكب الأرض يتحول إلى كوكب صيني، وأصبح الصينيون نجوم المطارات والعواصم والإجازات الباذخة وحاملي الملايين، وكادت الصناعة الأمريكية والغربية تذوب تحت وطأة أزيز المصانع الصينية، بل هي قاب قوسين أو أدني من ذلك. الحضور السياسي والعسكري الصيني في العالم لا يقل خطورة وتأثيراً عن الحضور الاقتصادي، فهو موجود بكثافة في المحيط الهادي والهندي وأفريقيا الوسطى، والمناورات العسكرية غير المسبوقة ترسل الرسائل تلو الرسائل، فهل من ملتقط وهل من مستمع لقائد «أصفر» كان يحلم بإمبراطورية تبدأ من بكين ولا تقف في البرازيل. تقول الأرقام الأولية الصادرة في أعقاب اجتياح فايروس كورونا الجديد -الذي لا يرى بالعين المجردة- إن ثلث الاقتصاد الصيني معطل، وإن قلبها الصناعي في الحجر الصحي، ما يعني أن ملايين الصينيين من العمال المهرة يقضون أيامهم في بيوتهم بدلاً من أعمالهم، ومئات الملايين من الحاويات المحملة بالبضائع الرخيصة مكدسة في موانئ ولاية «ووهان»، لقد أخرج الوباء الصين من المعادلة الاقتصادية ولو مؤقتاً. تدور الآن أسئلة ملحة تقول: هل هناك تحضير لصين جديدة ولكن بظروف أقل تكتلاً، تجربة من نوع آخر هي الآن في طور التخلق تسفر عن «صين» تكون جزءاً من العالم وليست كل العالم، وهل سيقوم الاقتصاد الغربي، وهو الممول الأساس لأي استثمارات جديدة، ببناء نمور اقتصادية خارج المنظومة الآسيوية، تبدو معه دول الساحل الشرقي الأفريقي أكثر ملاءمة، بدءاً من مصر مروراً بالسودان فإثيوبيا والصومال وكينيا وأوغندا. * كاتب سعودي massaaed@