أنهى وفد صندوق النقد الدولي مهمته التي راوحت بين الاستطلاعية والاستشارية، وغادر لبنان مساء أمس الأول (الإثنين)، بعد أيام حافلة باللقاءات مع المسؤولين عن وصول لبنان إلى هذه الأزمة. وبحسب مصادر مرافقة، فقد طرح الوفد العديد من الأسئلة المتعلقة بالواقع الحالي وبالتوقعات المستقبلية، وحذر من أن الوقت يداهم لبنان، ويجب أن تكون هناك خطة إصلاحية جاهزة قبل 9 مارس القادم، وهو موعد أول استحقاق لسندات «اليوروبوند». ويبدو أن الأزمة في لبنان خرجت عن سيطرة حكومة أطلق عليها رئيسها حكومة «مواجهة التحديات»، إذ كان الجميع على علم مسبق أنه اسم فضفاض استخدمته السلطة لكسب ما يمكن كسبه من ثقة الشعب والمجتمع الدولي. ووفقا لمصادر وفد صندوق النقد الدولي، فإن لبنان ذاهب «مرغم» إلى تدويل أزمته الاقتصادية المالية التي باتت خارج سيطرة السلطة الحاكمة وباتت أكبر من الجميع، وسيكون على الجميع، بمن فيهم «حزب الله»، أن يتعاطوا بإيجابية مع الصندوق، لأن الاستشارة التي قدمها للمعنيين بالأزمة لم تكن مجرد نصيحة يمكن وضعها في أحد الأدراج التي وضعت فيها الحلول السابقة على مدى 30 عاما. لكن أي إشارة سلبية ستصدر عن لبنان هذه المرة تجاه نصيحة أو مشورة الصندوق الدولي ستكون بمثابة المبرر لفرض الحصار عليه بسبب تهربه من عملية الإصلاح التي شدد عليها المجتمع الدولي خلال انكباب السلطة على تأليف حكومة المواجهة المزعومة. الأنظار كلها تتجه إلى حكومة دياب والخطة التي يجب أن تكون جاهزة قبل 9 مارس، وإلى موقف حزب الله من هذه الخطة أو من مجمل الأزمة، باعتباره صاحب الكلمة الفصل، رغم أن رئيسها يدعي بشكل حثيث أنه هو رئيس الحكومة. وعلمت «عكاظ» أن حزب الله يواجه موقفا حرجا في التعاطي مع الأزمة بعد زيارة الوفد الدولي؛ لأن معارضته أو «تشرطه» على دور أو مشورة أو برنامج صندوق النقد الدولي يمكن أن يحمله مسؤولية سقوط لبنان في الهاوية، وهي نتيجة متوقعة ومرتبطة بمدى جدية المسؤولين في التعاطي مع خطورة الأزمة. وأفادت المصادر أن حزب الله يعتبر أن موافقته على «تدويل الأزمة» يمكن أن تضعه تحت شروط وقيود سياسية ومالية، أو بمعنى آخر يمكن أن تضعه تحت يد أمريكا بشكل مباشر. ولفتت المصادر إلى أن حزب الله قلق من فكرة تدويل الأزمة ما سيؤدي لا محالة إلى المس بشكل مباشر بنفوذه وحركتيه المالية واللوجستية. ومن هنا، فإن الكل ينتظر كيف سيتعاطى حزب الله مع هذه الأزمة، فالخصخصة من منظوره مدخل للسيطرة الدولية على مرافق لبنان ومقدراته التي يسير من خلالها أموره بعد سلسلة العقوبات والضغوطات التي يواجهها بفعل قرارات الخزينة الأمريكية. ليس هذا فحسب، بل إن حزب الله ينظر أيضا بريبة إلى متطلبات هيكلة القطاعين المالي والمصرفي في اللحظة التي يستعد فيها الأمريكيون وحلفاؤهم لتشديد عقوباتهم عليه ومصادر تمويله. ويبقى السؤال: هل حزب الله قادر على خوض المواجهة مع صندوق النقد الدولي الذي ينفذ بدوره سياسة أمريكية؟ الكل يدرك أن السياسة الأمريكية تهدف بشكل واضح إلى إضعاف إيران وأذرعها في المنطقة، ولعل مقتل سليماني دليل واضح أن واشنطن لن تهادن طهران في قادم الأيام، بل إنها مصرة على المواجهة.