عندما كانت المنطقة تعج بالفوضى، شعوب ثائرة، حرب بين الإخوة، الكل يصرخ حرية.. حرية! بحرٌ من الدماء أغرق رمال الصحراء، أوطانٌ أصبحت خاويةً على عروشها، وتم تهديم كل ما هو قائم! وسط كل هذه الهستيريا الجماعية كانت هناك أصوات من بلادنا تُهلل وتُبارك هذه النكبة، أصوات تتباشر بقُرب قدوم هذا الخراب لبلادنا.. انتهت الفوضى، وتلاشت النشوة وأصبح الواقع مأساة حقيقية.. عاد البعض يجر أذيال الخيبة، كانوا يُمنون أنفسهم بخراب بلادنا، نزعوا قناع التثوير، وارتدوا قناع التنوير والوسطية! بعد أن تلاشى الأمل وتمكن اليأس منهم وجدوا في التسامح معهم فرصة ليعودوا للواجهة من جديد، لكنهم هذه المرّة عادوا ليُزايدوا علينا بوطنيتنا، نحنُ البُسطاء الذين تمسكنا ببلادنا في لحظة تاريخية كانت فيها الشعوب تتبرأ من أوطانها وتتمسك بوهم الثورات! عادوا ليتسيدوا المشهد وكأنهم كانوا دُعاة محبة وسلام في 2011 وما قبلها.. أنا لا أُحرض على سجن أحد بسبب ماضيه، ولا أدفع باتجاه فصله من عمله، هم سعوديون ولهم حق العيش في بلادهم آمنين مُطمئنين، رزقهم وحريتهم أشياء مُقدسة لا مساس بها.. ولكن.. يجب أن لا يكون لهم منبر إعلامي، منبر استشاري، منبر من خلاله يكون لهم صوت مسموع وفُرصة ليعودوا من جديد، هؤلاء خذلوا الوطن في لحظة كانت فيها الأخطار تتهادى نحوه من كل حدبٍ وصوب، يجب أن يكونوا بعيدين جداً عن كل ما يمس حياة الناس.. احتواء هؤلاء القوم عن طريق تمكينهم من المناصب والمنابر أياً كانت خطر حقيقي، خاصة عندما نرى صراعاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي وكأنهم في غابة لا هم لهم سوى الحصول على منصب في أي مُنشأة حكومية.. وزير الشؤون الإسلامية عبداللطيف آل الشيخ في لقاء سابق قال كلمة خالدة: «الاحتواء أن تُحَيّدَ من لهم ماضٍ ضد الوطن، لا أن تُمكنهم، هؤلاء أفاعٍ متى ما أحسَّت بالدفء ستلدغ، واللدغة الثانية ستكون مدروسة». أخيراً.. هؤلاء القوم أسرى لتطرّف وتطرّف مُضاد، حياتهم مليئة بالتناقضات، ونحنُ لا نملك وقتاً طويلاً لنُكرر تجارب الاحتواء. يجب أن تتقدم الدولة للأمام بوجوه جديدة، إعادة هؤلاء للمشهد تحت مُسميات أُخرى خطأ لا يمكن تبريره. أبعدوا من كانوا سبباً في إيذاء بلادنا وإيذائنا.. * كاتب سعودي [email protected]