تلك الشجرة ذات الأوراق الصفراء الباهتة والمتظاهرة بالقوة تشبهني.. نحن لم نعد نزهر يا سيدي، فقد توقفنا عن ذلك منذ وقت بعيد.. توقفنا عن ذلك دون أن نشعر.. منذ أن بدأت الشمس شروقها كئيبة وتفعل ذلك أيضاً عند الغروب.. منذ أن امتلأت الحقول بالسنابل اليابسة في موسم حصادنا الأخير.. منذ أن بدأت الأمهات في خياطة وجوه باسمة لأطفالهن ليلاً حين يهرب الآباء خلسة عند الفجر إلى بلاد بعيدة ذات سماء قريبة وأرض خضراء فرحة.. نحن توقفنا منذ زمن بعيد، منذ عرفنا كذبة الفلاح القديمة التي رددها على البذرة حين غرسها بالتربة بأنها ستشق طريقها قوية فتنمو لتعانق السماء، ولكنها لم تفعل، فالسماء ابتعدت كثيراً، لم تعد تصلها كفوف الأمهات المخضبة بلون الأرض، ولا حتى عواصف الشتاء الباردة غيرت اتجاهها بعيداً رفقاً بأجسادنا الصفراء.. نحن توقفنا عن الفرح، فالشيء الوحيد الذي ما زلنا نجيده هو عد الأيام المتبقية من أعمارنا وعد أسراب الطيور في مواسم هجرة طويلة.. تلك الهزائم المدونة داخل أعيننا، والتي أنكرناها مراراً، تفضحها نظرات العابرين ورشات المطر وحنين أبدي.. تلك الشجرة الواقفة هناك المستندة بكل ما تبقى لها من قوة يا سيدي والشاخصة ببصرها نحو السماء تشبهني.