كأنه الأمس عندما كانت إطلالة السنة الهجرية، لكنها انقضت واليوم نهايتها وبداية سنة أخرى. مركب زمني يحطنا وآخر يأخذنا لمسيرة جديدة، رحلتنا في الحياة عاما بعد آخر، وسيأتي للرحلة نهاية. ينتهي العمر ولكن الأيام تتعاقب بين ليل ونهار، وشهور متتابعة، ونحن في نقصان أعمار مع تجددها يقول الشاعر : راشد الخلاوي، حول العمر والزمن والحث على العمل : من تابع المشراق والكنّ والذرى يموت ماحاشت يديه الفوايد الأيام ماباقٍ بها كثر مامضى والأعمار ما اللي فات منها بعايد نعد الليالي والليالي تعدنا والعمر يفنى والليالي بزايد قرنوا بين الأمراض وسنوات القحط الجدري، أبو رمح، الهيام، السلاق، النحاز الإنسان ساعات معدودة، وأيام محدودة لها نهاية غير ممدودة، إذا ذهبت هذه الأيام ذهب وانتهى، ويبقى له حصيلة الجهد والعمل، بخيره وشره وما أودع فيها من رصيد. أعوامنا نتوقف عند بداياتها ونهاياتها في كل مرة، لا يلتفت انتباهنا سوى ذلك، كل عام وأنتم بخير، عام سعيد، دعوات وتهانٍ، ولكنها تبقى دروساً لنعتبر بسرعة مرورها. الوقت لا يتوقف والسنوات تدور، ونحن الآن نخلع ثوبنا الزماني السنة الهجرية 1433ه ونلبس الجديد وكم من إنسان نزع القديم ولم يلبس جديدا، كأنه أمس عندما بدأت أول أيامها، وهكذا هي أيام العمر كله بين الميلاد والرحيل من هذه الدنيا، ولنا في اليوم عبرة فما أن تطلع شمسه مشرقة مناديا ذلك اليوم بأنه يوم جديد فخذوا مني ما يفيدكم وينفعكم، إلا وتغيب شمسه باكيا بعين شمسه عند جفن الغروب بدم أحمر ينتثر على صفحة الأفق حمرة الشفق تعبر عنه، مبدياً أسفه بأن الوقت انتهى إلى غير رجعة، كسب من كسب وخسر من خسر، فلا رجوع لعقارب الساعة لأنها لا طريق لها إلى الخلف، فطريقها دوما نحو المستقبل، ولكن انتظار يوم جديد يشكل لنا بارقة أمل أن الشمس سوف تشرق غداً وننتهزها فرصة للتعويض . إنها سنوات متوالية تتبع نهاياتها مقدماتها كأن الوقت يجري بسرعة غير معتادة، فنحن في هذا الزمان في الغالب، لا نحدده بإنتاج كما هم أجدادنا خاصة على مستوى الأفراد، بل نعدد الأيام لنصل إلى أواخر الشهور تحسبا لصرف الرواتب بعد أن تبدل نمط الحياة الاجتماعية وتحول من الزراعة والرعي والحرف اليدوية والمهن المتعددة الفردية، إلى الوظائف في الدوائر الحكومية والمؤسسات. نمط مختلف تماما جعل الاهتمام الأكبر عند البعض هو صرف الرواتب الشهرية، لهذا صارت السنة عندنا 12 راتباً، ولا ارتباط غير ذلك بمناخ ولا موسم ولا غيره، لا غرس شجرة ولا نتاج ناقة أو شاة. لم يكن أجدادنا بالأمس يعرفون الرواتب الشهرية ولا الوظائف الحكومية، ولا يهمهم نهاية الشهر بقدر ما يهمه مناسبة الظروف المناخية والاجتماعية والجغرافية عموما، وقد تهمهم اضطرارا مصادر التمويل التي تتمثل في عدد ممن يمتلك المال ليقرضوهم ويستدينوا منهم بعض المال الذي يكفي للزراعة أو شراء بعض رؤوس الماشية، على أمل التسديد وقت الحصاد والإنتاج، كذلك يهتم البادية بمواطن الكلأ وسقوط المطر وسلامة الحلال من الأمراض وانتشارها، يهمهم حماية ما يملكونه من بهائم وهو رأس مالهم حتى لا تتعرض لأمراض الجدري والجرب وما يسمى أبو رمح، أو الهيام، السلاق، النحاز، أبو سعيبيل (سمي المرض بذلك لأن الأغنام ينزل من أنفعها وفمها افرازات كثيرة اثر التسمم الناتج جراء أكل جيفة ميتة أو حيوان ميت بسبب الجوع) يقرنون بين تلك الأمراض وسنوات القحط ويربطون كثيرا من الأسباب بظروف المجاعات والجفاف والكل مرتبط بشيء مهم وحقيقي وهو مدى طاعتهم لله أو بعدهم عنه، ليتنبهوا بعد غفلة ويعودوا بعد الخطأ لتصلح أحوالهم، وفي حالة الخصب والنماء والربيع كل شيء يزدهر، والنفوس تقبل على الحمد والشكر. يشتغلون طيلة حياتهم بمتابعة لقمة العيش وتأمينها وينشغلون بها، يصلحون أوضاعهم و كل أحوالهم. الكل يرقب السماء وما ينزل من رزق، ويتابعون الأرض وما تخرج من خيرات، والنجوم ليهتدوا وليستدلوا بها على المواسم، عيونهم على دورة المناخ ومواسم الزراعة والبرد والحر، ويتنقلون من فصل إلى فصل، ومن بذر إلى حصاد، ومن زراعة القمح إلى الذرة ومن الأعلاف إلى الخضار ومن تلقيح النخيل إلى صرامها والجذاذ، ومن نشر التمور وتجفيفها إلى كنزها وحفظها، ومن غرس الأشجار إلى قطع الأخشاب، وأهل الحرف في حرفهم والصناعات كذلك، يتابعون حاجة الناس والعاملين ماذا يحتاجون وما الذي يروج في هذا الوقت وذاك، فيكثرون أو يقللون. عمل دؤوب ليس فيه توقف، ولا انتظار، ولا تفاجئهم سنة منتهية أو سنة جديدة ولا تتوقف عجلة الإنتاج لديهم. لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، فالكل يعمل يدا واحدة، ليس هناك إدارات نسائية وأخرى رجالية أو كشوف للتوقيع حضورا وانصرافاً . حياتهم فيها من الانتظام والتلقائية الكثير، منسجمة مع الفطرة ملائمة للطبيعة والطبيعة ملائمة لها، فالليل راحة وهجوع وعبادة وتهجد، وفي النهار عمل من قبل الشروق وحتى الغروب، الليل عندهم لباس وسكون وسبات، والنهار معاش وسعي وطلب للرزق، ليس لديهم ما يشغلهم أو يأخذهم عن ذلك بل حتى لو أن لديهم من ملهيات اليوم شيء لم يكن لها نصيب من الوقت أو التفرغ، فالمشغول لا وقت لديه لكي يلهو أو ينصرف عما يشغله ويأخذ بكل اهتمامه . إن أجدادنا نسوا تماما الزمن كوقت وأنه ساعات وأيام تجري، سبتها بعد أحدها ونهاية شهرها بلا فائدة، فتركيزهم ليس على ساعات اليوم ولكنه على ما يتم فيه من إنجاز آخر النهار وإنتاج مفيد. والعكس ربما قلقوا من سرعة الأيام وودوا لو تبطئ قليلا، فعند المزارعين عمل طويل والصبر والأناة صارت سلوكاً تعودوه مما حولهم . حراثة وتجهيز للأرض وتحضير للبذور وانتقاؤها والجهد العضلي متعب والجهد لا يكفي لإرضاء الطموحات والنبات والثمار درسوا منها مراقبتها فتعلموا الانتظار الطويل، وترقب السماء وحساب وقت الشتاء ودخول الوسمي وقياس أمطاره، والمربعانية وبردها والشبط والعقارب وتقسيم السنة إلى بذر وحراسة للسنابل ثم حصاد ودياسة وذراية، واستيفاء للديون التي على المزارعين لأصحاب الأموال من التجار الذين ينتظرون موسم الحصاد وقد يحضرون في الحقل حرصا على مالهم، ليستوفوا ديونهم وحقوقهم، كلها تجعل السنة لديهم كتلة واحدة مترابطة والفاعل فيها هو من يستفيد منها كلها بدايتها ونهايتها، وليس من يعيش عمرا إضافيا فارغا فقط يقول الشاعر : عبدالعزيز السبيعي، من قصيدة في ذكرى زمان مضى: على ذكرى الزمان اللي مضى لي هل دمع العين تذكرت السنين الأوله والدمع همالي يلج بداخلي ذكرى ربوعي والزمان الزين وفكري من هموم القلب وصدوف الزمن خالي يورى في عيوني مجلس الشايب وبيت الطين مداهيل الرجال اللي لهم بالطيب منزالي مجالسهم مجالس للشجاعة والكرم والدين تنومس راعي الطالة وتغبن كل بطالي ماهي مثل المجالس ذا الزمان اللي قبوله شين مغير السالفه وسط السياسة واسهم المالي اخذت بسجتي ساعة بعد مافقت مدري وين زواني هم قلبي عقب جيت الدار بالحالي غدت عيد النخل صرعا وطاح السور والبرجين يقول : الأمير خالد الفيصل : لمت الزمان ولا يم الوقت غلطان حوادث الأيام من فعل أهلها كل يغني مع زمانه على شان هذا يميلها وهذا عدلها يا عايش باللو والليت خسران دنياك ماتسوى حسايف زللها يروح عمرك بين لوكان ماكان والعمر ساعه ما تساوي عذلها ويقول الشاعر العضياني من قصيدة طويلة حول الأيام : الله يجزى سود الأيام بالخير اللي بعد دوراتها علّمتني علم ٍ بتعريف القضا والمقادير ماقدّر الله يوم الأقدار جتني أخذت منها عبره وعمق تفكير من دون أواعدها ولا واعدتني وأعطيتها عن باقي العمر تبرير العذر منها كان ماعذّرتني عذر ٍ من الماضي يسوق التباشير بشّرتها لو كان مابشّرتني صارت حصانة من جميع المعايير اليا حضر ميعادها حصنتني ويقول الشاعر العريفي: الله يا سرع الليالي والأيام راحت سنه ما كنها غير ساعه راحت سنه تجري وعامً طوى عام وإبن آدم بالوقت مثل الوداعه أحدن قنع وأحدن من الوقت همام مهتم في دنياه ماله قناعه و يقول الشاعر : فرج الدهمشي: العام هذا راح وولَت ركايبه واقبل علينا عام نرقب عجايبه عام ٍ جديد وعام قبل امس قد رحل واللي مفارق او ملاقي حبايبه أيامنا تمضي وحنا نشوفها تنقص وبعض الناس ماهيب تايبه