في ليلة احتفاء حبيبتنا «عكاظ» بهويتها المتطورة، ومع تكريم المستشار تركي آل الشيخ لرئيس مجلس إدارة مجموعة MBC وليد البراهيم، تألمت لعدم قدرتي على الحضور لظروف طارئة، مع كامل الحب الذي وصلني مع دعوة سيد الأصدقاء جميل الذيابي، المبدع الذي يعرف تماما كيف يأخذ مستقبل الصحافة إلى طريق آخر بمنصات مختلفة. وأعود إلى ألم غيابي مرغما، لأن «عكاظ» غالية، ولأنها ليلة كرّم فيها فارس الإعلام العربي وليد البراهيم، ما زادني ألماً.. وللحق حين تابعت فيديوهات التكريم المستحق، خطرت ببالي فكرة هذا المقال، وتذكرت دخولي اليومي لمبنى MBC، ففي الطابق الأول، حين تخرج من المصعد، وتتجه يمينا ثم يسارا، ستجد عيادة تعمل فيها ممرضة تقيس الضغط والسكر ونبضات القلب.. ثم تسجل اسمك مع جميع مؤشراتك الحيوية في دفتر يحوي قائمة طويلة من أسماء من سبقوك. أنت حاليا لست في مستشفى أو مستوصف، أنت هنا في الطابق الأول من مبنى المجموعة، التي طلب رئيس مجلس إدارتها قياس المؤشرات الحيوية للموظفين خوفا من تعرضهم لمشاكل صحية جراء ضغوط العمل.. الخريطة العامة لصحة الموظف، أمر إستراتيجي بالنسبة لإدارة المجموعة التي تكترث كثيرا بحالة الإنسان. الحديث هنا عن إمبراطورية إعلامية قدمت قوة ناعمة في المنطقة طوال 28 سنة من البث التلفزيوني المنوع، لا يمكن تجاهله، إذ بالإمكان توثيق الثقافة البصرية لمجتمعاتنا العربية عبر الدراما والبرامج التي قدمتها mbc طوال 3 عقود.. فالعلامة التجارية والقيمة المليارية التي تحملها لا يمكن عزلها عن شخص الوليد الذي قدم حالة استثنائية في إستراتيجية المحتوى بعيداً عن شخصه.. فهو لا يحبذ الظهور في مؤتمرات صحفية أو لقاءات تلفزيونية، إذ يشمر عن أكمامه وينزع غترته ليجالس المفكرين والمؤلفين والمخرجين والممثلين في الكواليس لمناقشة المحتوى الذي يتخيله، وليسمع أيضا ما في جعبتهم، ما أدى إلى مؤشرات إيجابية حسب استطلاعات الرأي التي تقدمها شركات محترفة في مجال نسب المشاهدة لكل برنامج وقناة. اختلفت الاهتمامات، وتنوعت عائلة mbc وكبرت، فقدمت قنوات تستهدف المرأة، والشباب والأطفال والدراما. ومما لا يعلمه المشاهد أن مئات الآلاف من ساعات البث تتكئ على بيئة عمل قوامها 70 جنسية، يعملون لتكريس الحضور في وعي وذاكرة المشاهد. وكسعوديين، فخورون بقصة نجاح وليد في صناعة شركة عريقة كانت جزءاً من حياة الناطقين بالعربية حول العالم، فهو بالفعل ضمن قائمة الرموز التي نفتخر بها. عملت شخصيا معه، وكنت شاهد عيان على إطلاق مجموعة كبيرة من القنوات وأدركت شغفه في جس نبض السعوديين يوميا في المجالس والاستراحات والبحث عن المواهب، ومع كل تلك الندرة في البدايات كان يحاول جاهدا توطين التجارب العالمية في السوق السعودي، ورفع مستوى الإنتاج ليقدم تحفاً فنية لا ينساها الناس. برأيي الشخصي ما جعل البراهيم عراباً للإعلام العربي هو استباقه للمخاطر وإدارة الأزمات، لعلمه الجيد أن الإعلام أول المتضررين من الركود الاقتصادي إن حدث، فالميزانيات الإعلانية تنكمش مع الانكماش الاقتصادي، لذا يهمه دائما عدم المساس بكادر الموظفين، ويرفض كليا خيار تقليص العاملين، مع الإبقاء على خيار تحفيز الإدارات التجارية لديه بضرورة إيجاد حلول مبدعة ومربحة. وفي وقت كانت قنوات كبيرة وكثيرة تصرف مئات الملايين، كان قادرا وباحترافية على السيطرة على الموازنات العادلة لمشاريع المجموعة دون مبالغة مضرة للسوق فيختفي الكثيرون وتبقى MBC. في السوق الإعلامي، يعتبرون دائما مدير قسم في mbc قادرا على إدارة شركة إعلامية متوسطة الحجم، بسبب أداء المجموعة وخبراتها في تطوير العاملين، واقتناص المواهب بمختلف الجنسيات. مثلا، عندما بدأ الاستثمار بقوة في «شاهد» ليكون منصة فيديو شاملة للإنتاجات الحصرية، أحضر خبرة أمريكية من «هولو»، المنصة العالمية الشهيرة في تقديم خدمات الفيديو لإطلاق نوعي ومختلف في 2020 ليجعل «شاهد» ضمن قائمة رغبات الجيل الجديد المتأثر بثقافة «نتفلكس»، خاصة بعد توجيهه بالحصول على مكتبة «ديزني» و«مارفلز» بعد أن فسخت عقودهما مع «نتفلكس». وحين قدم البراهيم إستراتيجية جديدة في الإنتاج الدرامي والسينمائي عبر mbc ستديوز، اقتنص شخصية إدارية عريقة في شركة «يونيفرسال» العالمية.. لأنه يدرك تماما أن وجود إمبراطورية mbc في الشرق الأوسط يعني مسؤولية التعبير عن الهوية السعودية أولا عبر خبرات عالمية توطن التجربة محليا، ليقوم بالمقابل بعد ذلك بإعادة تصدير منتجات سعودية إلى العالم، وحتما سينجح. أنهيت كتابة المقال، (الخميس)، ونزلت متوجها إلى الساحة الرئيسية للمجموعة، وهناك سوق للخضار والفاكهة العضوية، توفرها إدارة شؤون الموظفين للعاملين بأسعار تنافسية، ففي الخميس العائلي المعتاد، تقدم المجموعة لأكثر من 2000 موظف يعملون في صناعة علامة تتطور وتتأقلم مع المتغيرات، ينتظرون لحظة بهجة، حين يرون «أبو خالد» ماراً مصادفة أمامهم ليلتقطوا معه «سيلفي» وهم سعداء بعرابهم الكبير.. عرابهم الأخير.