وافى حيّال الشامية حيّال اليمانية. أظلم عليهم الليل وهم يصارعون جوع نهار بطوله، لم يجدوا من يحتالون عليه، لمحوا ضوء قازة ينوس فعمدوه يتساعون، دخلوا على قروي واصله معه كيس التنباك. شافهم فقال: يا الله إنك لا تحييهم. قالوا: ودّنا بالمبيت، وبليت همّنا. بدأ الأول يسولف للقروي عن مهارة خويه في كتابة الحُجج، وتقسيم المواريث. تذكّر أخته وحديثها دوماً عن حق أبيها. سألهما: معكم لي دبرة لو بغيت أحرم شقيقتي. أجابوه: لا أسهل منها. عاد بقِدر مُحمّم، وفيه فريقة إقط وطحين، وضعه بينهما وقال تعشّوا. رشفا من الفريقة لين تنفّخت بطونهم، وذلّا بطن كل واحد كما القربة المنفوخة. سألوا المضيّف: تعرف تقرأ ؟ فأجاب: يا ليت. قالوا: معك ورق للكتابة، فقال: معي، فقال الثاني للأول: أكتب ما أمليه عليك. فكتب «نشهد نحن الموقعين أدناه أن ما في حلال أبوه إلا هو» خطّ الكاتب وبصم بإبهامه المدموغ بحُمم الحلّة. قال لخويه: أبصم، قال: تكفّي أنت. قصّد «سعيد يا بن عطيّة لا تُشقّ الورق. إن كان ودّك بدسمة صُبح غُطّ اصبعك». أشرقت الشمس، وهم يتمغطون فوق هدم مخرّق. ما أحد لمح في وجيههم. نزلوا من الدرج وإذا ببنت مضيّفهم سارحة ببقرة مرضع، فقال الأول: أنشدها خطبت وإلا باقي؟ أجابت بابتسامة ماكرة: باخذك إنته يا أثرم. ترقبوها حتى نزلت بطن الوادي. فكّت بقرتها ترعى وقعدت ترقبها، فجلس أحدهما بجوارها، وطلب منها تمدّ كفها، وبدأ يسرد عليها بشارات الرزق والعريس المريّش. أخرجت من غرزتها شتفة خبزة وحبات تمر. فاختطفوها من بين أيديها، نظر الثاني إلى البقرة. وقال: ودّك تتبلّع قرصك الناشف. فقال: إي والله أطلبها تحلب لنا. ردّ عليه: البنات ما يحلبن البقر. قالت راعية البقرة: احتلبوا إن كان ودّكم. سألوا: فيش نحلب؟ تلفتّ، وقال لرفيقه: انسدح وافغر وأنا بحلب في ثمك. ماتت الراعية من الضحك على الجُبْجُب المتطاير على شدوق المنسدح. وقالت للحالب على مهلك لا يشرق رفيقك بقعا تصوعك أنت وإياه، ولا تمقونها معها حسيل دوبها ولدته إمسي. بقوا له. قاما يحتلجان في الوادي. يرقصان، ويغطرفان ويرددان «ما درى أن أولاد ساطي يخطفون الكحل م العيون»، علمي وسلامتكم. Al_ARobai@