فيما تقترب الانتفاضة اللبنانية من إنهاء شهرها الأول وسط زخم ودعم واسع من النقابات والطلاب، يمارس النظام السياسي الذي طالب المحتجون بإسقاطه أحزابا وسياسيين وطوائف «سياسة الهروب» إلى الأمام في مواجهة المطالب المتصاعدة، على وقع أزمة سياسية واقتصادية خانقة. عجز السلطة وارتباكها بدا جليا في الظهور المتكرر بمناسبة وبدون مناسبة لزعيم مليشيا «حزب الله» حسن نصر الله، الذي هدد وتوعد وخون، وبدا متناقضا في أكثر من موضع، وقفز كعادته إلى الأمام ليلوك كلاما مكررا عن إيران واليمن، متجاهلا الوضع المتردي الذي يعيشه المواطن اللبناني. ولعل آخر تجليات هذا الارتباك برز في إرجاء جلسة تشريعية كانت مقررة أمس للبرلمان بسبب ما وصفه رئيسه نبيه بري ب«الوضع الأمني المضطرب»، إثر انتقادات واسعة لإدراج مشروع قانون بمنح العفو العام عن عدد من الجرائم على جدول أعمالها، ما اعتبره المتظاهرون «التفافاً» على مطالبهم بالإصلاح، ومحاولة لتحقيق مكاسب سياسية، واستمالة فئات معينة تستفيد منه، خصوصاً مئات الموقوفين الإسلاميين، وآلاف المطلوبين بتهم «جرائم استغلال النفوذ والوظيفة والإهمال وتبديد الأموال العامة والجرائم البيئية». وهكذا تمكن الشارع اللبناني من تحقيق انتصار ولو شكلي بمنع انعقاد البرلمان لإقرار قانون يرفضه الناس. اللبنانيون شبعوا كلاما طوال 4 أسابيع وبانتظار أن يروا أفعالاً حقيقية على الأرض، لكن «العهد» يبدو حتى الآن مصرا على انتهاج سياسة الهروب التي كشفت طوال هذه الفترة أنه يعول على عنصر الوقت ونفاد صبر المتظاهرين، وأنه ليس لديه ما يقدمه لإقناع الشارع المنتفض.