التحول من مجتمع مصدّر لآلاف السائحين من أبنائه إلى كثير من عواصم ومدن العالم قريبها وبعيدها، إلى دولة جاذبة للسياحة الخارجية وتستهدف ملايين السائحين من عشرات الدول، هو هدف طموح لكنه ليس بالأمر البسيط ولا يتحقق في سنة أو سنتين، إنما بخطط متسعة وممتدة وإنجازات مستمرة بالمشاريع وتحفيز وتوجيه الاستثمارات لرسم خارطة سياحية تكون قادرة على تحقيق التحول المستهدف. هذا ما بدأته المملكة، وصدرت به قرارات على ضوء رؤية 2030 التي أكدت على جوانب عديدة لجودة الحياة، وهذا المشوار الطويل يتطلب الكثير من التفاصيل في الداخل أولا من حيث الخدمات وعلى الصعيد الاجتماعي، فالنجاح الحقيقي يبدأ أولا من الداخل، لهذا لابد من توفير كافة عناصر نجاح السياحة في بلادنا وليس فقط صناعتها البنيوية، مثلا الجميع يعرف أن مدينة أبها وغيرها من مدن الجنوب والطائف مصايف سياحية لكنها تنتظر الكثير، ومدائن صالح الأثرية في العلا ربما لم يرها كثيرون، وهي مقبلة ضمن خطة تطوير العلا على مستقبل تستحقه، لذا يظل النمو السياحي مقرونا بالتعريف بما لدينا وبالخدمات والبرامج التي يتم عرضها على جمهور الداخل قبل الخارج إلى أن تكتمل المشاريع والصورة، وكذلك ثقافة التعامل في قطاع السياحة، فأي قصور أو خطأ وإهمال يعطي انطباعا خاطئا يعلق بالأذهان ولو كان فرديا أو استغلالا من جهات مقدمة للخدمات. لاشك أن مع فرص العمل في قادم السنين لمئات الآلاف من شبابنا بنين وبنات في مجالات السياحة ستتغير مفاهيم كثيرة مع المنافع الواسعة لبلادنا وأبنائنا، وقيام المشاريع الصغيرة والمتوسطة لرواد الأعمال إلى جانب الاستثمارات الضخمة، وكما يقولون (مافي أقرب من الأيام) خلال عقد من الزمان هو قريب حتى 2030. لدينا مقومات سياحية واسعة ومتنوعة وستشهد نقلة نوعية في السياحة التاريخية وسياحة الشواطئ والسفاري وكذلك السياحة الريفية التي تحتاج بدورها إلى تنمية حقيقية باستثمار السهول والمروج والمصاطب الزراعية الجبلية، وكل هذا يحتاج إلى بلورة رؤى وخطط وخدمات وحملات تثقيف خاصة في المدن الصغرى ذات الطبيعة الزراعية أو التي توجد بها معالم تاريخية ويتطلب أن يكون أهلها في سياق الثقافة السياحية وخدمات متنوعة يجدها السائح. ربما يبدي البعض سوء ظن تجاه صورة نمطية عن السياحة والسائحين، لكن التجربة والممارسة العملية تغير التفكير المتجمد أو المتسرع عندما تتسع عدسة الفوائد والعوائد من الزخم السياحي المستهدف، ويتغير الشعور إلى الأجمل بأن بلادك يأتيها السائحون راغبين، ويتعارفون عليها وعلى حاضرنا وموروثنا وتقاليدنا، وهو ما لا تحققه أية وسائل إعلام وتواصل لأن من رأى ليس كمن سمع. بلادنا لم تنغلق على نفسها بل تاريخها مرتبط بالتواصل الحضاري الذي ارتكز على المواسم الدينية للحج والعمرة، ونحن أيضا نتعرف على العالم من خلال السفر والبعثات الدراسية لأبنائنا وبناتنا إلى الخارج في شتى العلوم، وجميعها أرست جسورا للتفاعل، وكل هذا يجعلنا نسعد بأن تستقبل بلادنا السائحين، ويتعرفوا على معالمها وآثارها، والعائد الاقتصادي الذي يقدر بعشرات المليارات في نجاح السياحة وجودة الحياة في جو من الاحترام والانضباط، أما حكاية فساد أخلاق أو ما شابه ذلك، فهذا أمر اعتدنا على تضخيمه في كثير من الخطوات والتشكيك فيه، بخيالات أو هواجس متضخمة، والأنظمة كفيلة بأن تجعل الحياة على استقامتها كالمعتاد ومن يخل بها يتحمل وزره بالقانون، وتظل الحياة في تغير وتطور لا يتوقف وإن توهم البعض ذلك. * كاتب سعودي [email protected]