اليقين بالتطور والتفاعل معه بالإيجابية، والإدراك العميق لنعمة الأمن والاستقرار، مقومات مهمة للعقل الواعي، فإذا أحسن الفرد والأسرة والمجتمع البناء الصحيح للعقل تحقق الكثير من كل ذلك على أرض الواقع. فالإنسان يولد على الفطرة، وبقدر وكيفية بناء العقل وتغذيته تكون النتائج، وعلى هذا القياس يمكن رصد أسباب الخلل في مجالات بناء العقل وقيم الحوار، وما يظهر في الواقع من ثغرات مجتمعية تتسلل منها مثالب فكرية ذروتها الفكر الضال المنبت السيئ للإرهاب، وهو الأخطر على البشرية والإنسانية والأوطان متمثلا في أعداء الحياة. في هذه النقطة تحديدا أتمنى لو تتسع دوائر التوعية الوقائية بأهمية بناء العقل، ويتنبه المجتمع ومؤسساته لطبيعة تحديات عصر يربك من لم يستعد له ويعجز عن استثمار إيجابياته المعرفية الهائلة، ويغفو عن مخاطر زوال حواجز الزمان والمسافات بتطور وسائل التواصل، وطوفان المؤثرات المعلوماتية وحرب أفكار وشائعات عبر شبكات وبرامج تخلق بيئات لتدمير القيم بل والشعوب من داخلها. في قديم الزمان كانت التجمعات البشرية تحمي نفسها من أخطار الخارج بالأسوار لتحافظ على استقرارها وهويتها، ومع تعاقب الأزمان وتطورها أصبح بناء البشر أهم من الأسوار التي أصبحت مجرد تاريخ، كما هو نموذج الصين في قديمها وحديثها، وها هي العولمة المسارعة وما ستأتي به من تحديات أكثر خطورة، علينا أن ندرك أكثر قيمة الوعي في حياتنا الشخصية ومسؤولياتنا الأسرية والوطنية. العالم اليوم تجاوز مفهوم الأسوار بكل أشكالها، وبات من السهل غسل أدمغة إذا ضعفت المناعة العقلية، فلا مسافات ولا حساب الزمن مع أجهزة الاتصال وبرامج التواصل، وهذا هو الأخطر في حرب العقول والجرائم الإلكترونية التي تمثل التحدي الأكبر في عصرنا وقادم السنين، ومثل هذه المخاطر لن تتوقف طالما وجد الأشرار سبيلا لاستهداف المجتمعات والدول بما يُعرف بحروب الجيل الخامس، والعالم لا يهدأ ولا نتوقع أن يهدأ جنونه بسوء استخدام المعرفة وأدواتها الذكية وبراثن دهاليزها المسمومة بمكر الأشرار والمفسدين في العالم الافتراضي. الحضارة ليست حكرا على أمة دون أخرى، والتقدم ليس حصرا على أجناس دون سواها، وما هذا التطور غير العادي في التقنيات الذكية وغيرها من وسائل حديثة إلا نتاج العقل البشري وبيئته، لكن كل تقدم له أثمانه التي تتطلب وعيا، لذا تكمن مفاتيح التوازن والإيجابية في منظومة المجتمع بدءا من الأسرة الحاضنة الأولى، وفي رسالة التعليم بتعظيمها في بناء العقل، وصولا إلى الإعلام والمنبر، فإذا أحسنت كافة الدوائر مسؤولياتها تطور الوطن وسلم المجتمع. لا بد أن ندرك أن الطموح مقرون بالعمل الجاد وثقافة الانضباط في كل ميدان بما في ذلك الأسرة والتعليم والتدريب، فالمستقبل يصنعه الحاضر، وبقدر المسؤولية والتفوق على الذات، واستثمار الوقت ككل المجتمعات المتقدمة وتوازن الحقوق والواجبات، تكون النتائج أكثر نفعا للصالح الخاص والعام، وهذا هو الاختبار الحقيقي لدور المواطن والتحول إلى مجتمع حيوي حقيقي في كل مجال. إنها مسؤولية فردية وجماعية ومؤسسية في وطننا الذي ينافح عن مكتسباته، ويتصدى لمخاطر جمة تتربصنا وتترصد المنطقة، وتستوجب المزيد من اليقظة والاصطفاف ونتمسك بأحلام المستقبل في البناء والتطور، ونعززه بالأمل والعمل والحوار الهادف حول قضايانا المجتمعية والتنموية لتقوية المنعة، فأحلام الوطن هي أحلامنا جميعا لحاضرنا ومستقبل أجيالنا. * كاتب سعودي [email protected]