عندما كانت افتتاحيات الصحف الورقية الوسيلة الوحيدة لإيصال رسالة إعلامية، كانت الرسالة تخرج رزينة متعقلة ويمكن اعتبارها امتدادا لوجهة النظر الرسمية وتتناغم مع موقف الدولة، أي دولة، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي قبل خيانة قطر وخروجها عن الصف. اليوم تغير الوضع كثيرا فوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة أفرزت لنا أصواتا غير مسؤولة، منحت لنفسها حق التحدث باسم الأوطان التي تنتمي إليها، دون تخويل لا من الدولة ولا من الشعب، وصدق بعض هؤلاء أن رقم متابعيه المليوني في "تويتر" هو رقم حقيقي بالرغم من أنه يفوق عدد سكان بلده وبالرغم من أن المتابعات المليونية تحديدا هي إلى البيض الميت أقرب منها للفرخ الحي، فهي أرقام بلا رصيد بشري، وأيا كان مصدرها فهي لا تخول للفرد التحدث باسم دولة، فحتى وزراء الخارجية لا يتحدثون إلا بناء على توجه رسمي مدروس. ابتلينا (تويتريا) بمن لا تسعفه ثقافته بإدراك الفرق بين المتابعة كرقم والتبعية كفكر ولا يدرك أن المتابعة (تويتريا) لا تعني بالضرورة التأييد، فهناك من يتابعك ليستمتع بغرابة ما تطرح وثمة من يتابع ليضحك منك ومن يتابع ليضحك عليك ومن يتابعك ليتفرج تماما مثلما يلتم الناس على حادث أو شخص غير طبيعي أو عراك مجانين. وفي كل الأحوال فإن "تويتر" وغيره من منابر التواصل الاجتماعي تنفع لكل شيء إلا العبث بالعلاقات بين الدول والتحالفات والمواقف السياسية، وغني عن القول إن السياسة وإن كانت علما يدرس وتخصصا دقيقا له أهله إلا أن السياسة العلم الوحيد الذي ليس له معادلة يمكن تطبيقها هكذا دون الرجوع للقيادة السياسية صاحبة القرار، وبالتالي فمن نافلة القول إن المنصب السابق لا يخول لصاحبه الدخول لدهاليز العلاقات الدولية أو الخوض في المواقف السياسية المعاصرة. هذا على وجه العموم، أما العلاقة بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة فأكبر من أن يرى في مساحتها الواسعة مغرد صغير ولو بمجهر يظهر الكائنات الطفيلية الصغيرة جدا، وأكثر شموخا من أن يتسلق عليها من يرى في نفسه بقايا خبرة عسكرية لم يحالفها نجاح. عندما يتعلق الأمر بدول الخليج الخمس وقطر عند تحريرها من براثن العقوق، فإن (الركادة زينه)، والعبث (تويتريا) لا مكان له من جميع الأطراف فحبال روابطنا أقوى من أن يهزها عصفور غرد ونفش ريشه فظن أنه نسر.