لا يمكن وصف العلاقات السعودية الإماراتية إلا بوصف واحد «أعمق من المحيط وتعانق السماء». لقد حققت السعودية والإمارات مراحل متقدمة في مسار إرساء دعائم العلاقات الثنائية في شتى المجالات التي تستقي قوتها ومتانتها من الرغبة الحقيقية والأكيدة للقيادتين والشعبين الشقيقين في بناء شراكة إستراتيجية شاملة ومتكاملة. وتماهت هذه الشراكة من خلال سياسات البلدين حيال التطورات التي شهدتها منطقتا الخليج والشرق الأوسط؛ إذ ظهر التعاون والانسجام والتنسيق إلى أعلى مستوى، سواء للحفاظ على الكيان الخليجي أو المحيط العربي والإسلامي، ودعم القضايا العربية وإيجاد حلول عادلة لقضايا الأمة الإسلامية.. وأخذت هذه الشراكة منعطفاً إستراتيجياً إيجايباً متقدماً ظهر في أرقى صوره مع التضحيات التي قدمها شهداء البلدين فوق أرض اليمن العربية التي عاث فيها الحوثيون المدعومون من النظام الإيراني الفساد، حيث امتزجت دماء القوات السعودية بدماء القوات الإماراتية دعماً للشرعية اليمنية، وتعزيزاً للأمن والاستقرار في المنطقة، ورفضاً للعبث والطاغوتية الإيرانية.. ولقد ساهمت الإمارات بقوة في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ضاربة المثل الأعلى في التضحيات من أجل استمرار وجود اليمن العربي الأصيل، بعيداً عن الفكر الإرهابي الطائفي الفارسي المقيت. وعندما رحب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قصر منى بمكة المكرمة أمس الأول بسمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، وبحث ولي عهد أبوظبي مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تطورات الأوضاع في المنطقة، فان هذين اللقاءين يعكسان ليس قوة ومتانة الشراكة فحسب، بل المصير المشترك للبلدين، الى جانب عمق الشراكة التي تجمع البلدين وشعبيهما والتي تزداد قوة وتميزاً في ظل الحرص المشترك على تطويرها وتوسيع آفاقها. وليس هناك رأيان أن زيارة سمو ولي عهد أبوظبي في التوقيت تعتبر مهمة بكل المعايير على التطورات التي تشهدها الساحة اليمنية وخصوصاً في العاصمة المؤقتة عدن، الأمر الذي تطلب تنسيق المواقف والتشاور حيال دعم الشرعية اليمنية.. وعندما يؤكد سمو الشيخ محمد بن زايد أن المملكة هي الركيزة الأساسية لأمن المنطقة واستقرارها وصمام أمانها في مواجهة المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها، لما تمثله المملكة من ثقل وتأثير كبيرين على الساحتين الإقليمية والدولية، وما تتسم بها سياستها في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين، من حكمة واتزان وحسم وعزم في الوقت نفسه، فانه يرسل رسالة للمحبين أن هذه العلاقة مميزة وعميقة ومتجذرة، ورسالة أخرى للمغرضين أن هذه الشراكة الإستراتيجية طويلة المدى ولا يمكن بأي حال من الأحوال المساس بها أو حتى محاولة التأثير عليها من أي جهة، باعتبارها شراكة لإرساء الأمن والاستقرار وتقوية المنظومة الأمنية الخليجية والعربية؛ لأنها تستند إلى أسس راسخة ومتجذرة من الأخوّة والتضامن والمصير المشترك، إضافة إلى الإرادة السياسية لقيادتي البلدين وما يجمع بين شعبيهما من روابط الأخوّة ووشائج المحبة والتقدير، كما ذكر سمو ولي عهد أبوظبي، مضيفا أن الإمارات والسعودية تقفان معاً بقوة وإصرار في خندق واحد في مواجهة القوى التي تهدد أمن دول المنطقة وحق شعوبها في التنمية والتقدم والرخاء، وهذا تأكيد آخر للمؤكد بأن هذه الشراكة غير قابلة للاختراق من أي جهة.. وجاء تثمين سمو ولي عهد أبوظبي لدور التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن بقيادة المملكة والذي قام منذ تشكيله في عام 2015 بدور تاريخي ووقف بحزم ضد محاولة اختطاف اليمن، وعمل ولايزال من أجل يمن ينعم شعبه بالتنمية والتقدم، رسالة أخرى مهمة أن الإمارات جزء أساسي في هذا التحالف الذي سيظل إلى جانب الشعب اليمني الشقيق وكل ما يحقق مصالحه في حاضره ومستقبله وفق تأكيدات سمو ولي عهد أبوظبي بعد مغادرته للمملكة. وعندما نتحدث عن التوافق بين البلدين حول المستجدات في عدن ودعوة المملكة لوقف إطلاق النار، فإن ذلك التوافق جلي من تأكيدات سمو الشيخ محمد بن زايد عندما قال إن الطرفين في البلدين متوافقان على المطالبة الفورية للأطراف اليمنية المتنازعة بتغليب لغة الحوار والعقل ومصلحة اليمن، وهذا يعني مرة أخرى أن هناك تنسيقاً وتشاوراً عالي المستوى لإعادة الأوضاع في عدن كما كانت عليه، ودعم الإمارات لدعوة المملكة بشكل كامل لدعوة الأطراف اليمنية في عدن إلى الحوار في المملكة، باعتبار أن هذه الدعوة تجسد الحرص المشترك على استقرار اليمن، وتمثل إطاراً مهماً لنزع فتيل الفتنة وتحقيق التضامن بين أبناء الوطن الواحد؛ لأن الحوار هو السبيل الوحيد لتسوية أية خلافات بين اليمنيين، فضلا عن ضرورة اغتتام الأطراف اليمنية المتنازعة الفرصة التي تتيحها الدعوة للحوار والتعامل الإيجابي معها من أجل توافق يعلي مصلحة اليمن العليا. إن الشراكة السعودية الإماراتية عصية على الاختراق كونها علاقة مصير مشترك؛ وشراكة الشقيق والعضيد التي تأتي تتويجاً لمرحلة من العلاقات الاستثنائية التي تعد أنموذجاً يتقدى به لتعزيز البيت الخليجي من الداخل، والتعاون لمواجهة الاستحقاقات المصيرية في المنطقة ولخير الأمة وسلامة شعوبها وتمكينها من مواصلة طريقها نحو المستقبل بأمن وسلام. ونقول للحاقدين موتوا بغيظكم.