كتب أحد المجتهدين سطورا من الهجاء فيني ينتقد مقالا لي تطرقت فيه إلى البعض من فكر الإمام الشافعي، وكيف أن بعض الفتاوى تكون محصورة بزمنها وقد لا تليق بما نحن نعيشه.. لن أطيل عليكم بالشرح على (نقده) لأنه بالصريح لا يستحق التفصيل بذكره، ليس لأنه انتقد سطوري، بقدر ما أنه لم يحترم أصول الكتابة والنقد المهني في تعامله مع مقالي. هذا التجريح ليس بجديد علينا، فالكثير من المفكرين والعلماء والفلاسفة عبر التاريخ، والذين لا أقارن نفسي بهم، وربما نتفق أو نختلف معهم في بعض أفكارهم، قد تعرضوا للتجريح والتكفير وأحياناً للعنف وهم أنفسهم من نقدمهم اليوم ك«مفخرة» لنا في التاريخ الإسلامي، فالكثير ممن حكّم عقله وقدمه عن النقل، قالوا عنه كافر.. بالرغم من أن أول كلمة نزلت بقرآننا الكريم هي كلمة «اقرأ».. وهذا هو المأزق الذي يهيم به كل من حاول دخول بيت الدبابير.. المأزق الذي يحوم حوالينا ويصد كل مهتم من الكتاب من أن ينكش في هذا التاريخ دون أن يتعرض للهجوم والتكفير.. والاتهام بالإلحاد! فهل كل من رفض بعض صور التخلف والجهل وخالف الرأي السائد من بعض المفكرين والأئمة هو كافر؟ ومن يقرر ذلك؟ ماذا قال لنا التاريخ عن ابن حيان؟ ابن حيان الذي عاش في العصر العباسي وكان أول من استخدم الكيمياء عملياً في التاريخ، فلقب نظير ذلك ب«أبو الكيمياء»، ولكنه لم يفر من تهمتي الزندقة والكفر من ناسه، حيث كتب عنه أهم علماء عصره الذي كفر الكثير قبله «وأما جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة عن الكيمياوية فمجهول لا يعرف وليس له ذكر بين أهل العلم ولو أثبتنا وجوده فإنما نثبت ساحرا من كبار السحرة في هذه الملة»، «اشتغل في الكيمياء والسينياء والسحر والطلمسات، وهو أول من نقل كتب السحر والطلمسات».. أما الفارابي أبرز فلاسفة التاريخ الإسلامي في الطب والمنطق والذي لقب ب«المعلم الثاني»، أسوة بأرسطو المعلم الأول، فقد تعرض هو كذلك للتكفير عندما حاول أن يفرق بين حقائق النبوءة وحقائق الفلسفة بكون معارف الأول منزلة من عند الله، بينما الثاني يتلقى الحقائق بواسطة العقل الفعال، ولذلك فطبيعتها عقلية وليست حسية، ليقول عنه أحد أهم الأئمة في التاريخ الإسلامي «أن الفارابي يزعم أن الفيلسوف أكمل من النبي» فكفره. وابن سينا، «أبو الطب» اتهم كذلك بأنه كان يعتقد بأن العالم قديم أزلي، ونتيجة هذا الرأي الذي حمل فوق طاقته وفسر بعيدا عن مقصده وصفه ابن القيم الجوزية في (الصواعق المرسلة) «بالملحد بل رأس ملاحدة الملة»، وفي (إغاثة اللهفان) قال إنه «إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر». ابن سينا كفره أبو حامد العزالي في كتابه (المنقذ من الضلال)، ووصفه الكشميري في كتابه (فيض الباري) بالملحد الزنديق.. الكندي.. ابن رشد.. ابن الهيثم.. والتاريخ يحكي أكثر عن صراع العلماء والفقهاء في التاريخ الإسلامي الذي مازال منه قائما إلى اليوم؟ فهل أنت يا من تفكر بعيداً عن النقل.. كافر؟؟. * كاتبة سعودية