في شهر أكتوبر من العام 1996 أي بعد أقل من عام على انقلاب حمد بن خليفة الدموي على والده المرحوم الشيخ خليفة تم تعيين الشيخ عبدالله بن خليفة رئيسا للوزراء، عبدالله كان ذراع أخيه حمد في مشاويره نحو إمارة الدولة الصغيرة، لكنه لم يكن خيارا لولاية العهد كما كان متوقعا وكما كان الاتفاق بين الاثنين، فما هي إلا بضع سنوات حتى خلع حمد أخاه من الدولة كلها. حينها كان أبناء حمد صغارا ولا يصلحون لمناصب رسمية، استمر عبدالله بن خليفة في منصبه حتى العام 2007، وفي بيان مفاجئ أزاح حمد بن خليفة أخاه - الذي كان يعد منافسا قويا في سلم الحكم - من طريق أبنائه خاصة وأن عبد الله يحظى بدعم وقبول داخل أسرة آل ثاني، بالفعل غادر الشيخ عبدالله منصبه وأصبح رهن الإقامة الجبرية. كان حمد بن خليفة قد عين أوسط أبنائه والمفضل لديه شخصيا الشيخ جاسم بن حمد وليا للعهد العام 1996، إلا أن الدسائس وصراع القصر حملته إلى الإقامة الدائمة في مزرعة خارج الدوحة، فقد كان على خلاف دائم مع والدته، التي كانت تفضل تميم عليه وعلى بقية إخوته. توالت أحداث الخراب والمؤامرات التي صنعها «الحمدين» على المنطقة، التي كان من نتائجها ضرورة خروج حمد من المشهد أمام إصرار الدول الغربية «المُشغلة» له، اضطر حمد للتنازل مرغما وعين تميم أميرا صوريا بدلا عنه. في بداية اغسطس 2003 أقال حمد بن خليفة ابنه المفضل جاسم ليتقدم تميم لصدارة المشهد على الرغم من عدم قناعة والده ولا بقية أجنحة الأسرة به، إلا أنه رضخ أمام التقارير الغربية عن ابنه جاسم وأمام ضغوط «البيت»، بقي حمد يتعامل مع تميم على أنه «الصغير...» كما يقول المثل العربي القديم. بقي حمد يدير المشهد من خلف الستار لكنه استخدم تنمر الحاكم المستبد مع تميم، تقول المصادر إن «الأمير الولد» كما يوصف، فرض على تميم اضطهادا سياسيا غير مسبوق فهو لم يتقبل فقده للحكم، وكان يتعمد إهانته أمام زواره وأمام موظفي الديوان الأميري، كان يقطع عليه اجتماعاته ومجلس وزرائه ولقاءاته حتى مع مسؤولين أجانب، فيطلبه للحضور فورا إلى بيته ليثبت أنه الحاكم الفعلي، توالت تلك الإهانات بإلغاء القرارات والتعميدات المالية أو التعيينات حتى بعد صدورها. إلا أن القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال كانت توقيع تميم مع دول الخليج العام 2014 على اتفاق يضمن عدم تحرك قطر ضد المنظومة الخليجية وتقليص مساهمتها في دعم الإخوان المسلمين وإيقاف مشروعها الإرهابي في الدول العربية، جن جنون حمد من تلك الاتفاقية واعتبرها دليلا على رأيه في ابنه تميم. ومع تأزم الوضع داخل قصر الوجبة واحتمال انقلاب حمد على الابن وتعيين مرشح آخر من أبنائه، بدأ تميم في الهروب إلى الأمام والإعداد لخطته الخاصة التي أراد منها الحصول على عدة نتائج.. أولا.. اشغال الداخل القطري وخاصة أجنحة الحكم بصراع خارجي - مع السعودية - يصبح فيه تميم الخيار الأنسب والمفضل حتى وفاة أبيه وانحسار خطر إقالته من منصب الأمير. ثانيا.. الاستمرار في اختيار السعودية كخصم، بل والاستثمار بأكثر من مئة مليار لتقويضها والإثبات لوالده أنه نجح فيما فشل. ثالثا.. التقرب أكثر لأجهزة المخابرات الدولية التي تشغل قطر وأنه خيار سليم لتنفيذ مشاريعهم للمنطقة بالمشاركة مع إيران وتركيا وأجنحة الإسلام السياسي. كانت مهمة خروج «تميم بن حمد» من عباءة أبيه بل والتفوق عليه مهمة صعبة لكنه سلكها بتهور شديد، ويا للأسف اختار طريقا وعراً، ليصبح أسوأ من أبيه وصاحبه بن جاسم. في سبيل ذلك وكعادة كل أعشار الموهوبين والفاشلين، دائما ما يغذون فشلهم بالمال، فسخر «تميم» الآلة المالية الضخمة التي تمتلكها قطر لردم أخطائه وتسريع انتصاراته وإغراق خصومه ومكافأة أعوانه كما توهم. وفي سبيل التمايز عن أبيه حاول تميم السير فوق حبال الإيرانيين والأتراك في نفس الوقت، وليثبت تفوقه على والده اندفع بتهور أكثر نحو الأتراك حتى أضحت الدوحةالمدينة الوحيدة في الإمارة الصغيرة مجرد ضاحية تركية بائسة يديرها جهاز المخابرات التركية. لقد تحول تميم بسبب عقدته من أبيه إلى مجرد «ولد» غني غر استغله كل الزعران ولقطاء السياسة وأبناء سفاح الإعلام من الجزيرة مرورا بإعلام الأمصار وعرب الشمال ومرتزقة المهجر وصولا إلى إعلام اليسار في أوروبا وأمريكا، حتى قيل بتندر في أوساط السياسة الغربية «من لم يغتن في عهد تميم فلن يغتني أبداً». * كاتب سعودي massaaed@