لو كنت صاحب قرار عالمي لأصدرت قرارا بوقف الصناعة التقليدية للبلاستيك في العالم، وأعطيت أصحاب مصانع البلاستيك مهلة خمس سنوات لاستخدام بدائل الإنتاج الحديثة ومنها البديل البلاستيك الحيوي، وذلك بعد عدة قراءات عن أضرار البلاستيك على صحة الإنسان ليس فقط من أثر المصنوعات البلاستيكية الحافظة للماء والغذاء، وإنما من عوادم البلاستيك بعد استخدامه وأثره على البيئة وعلى وجه الخصوص على الهواء الذي نستنشقه يوميا، حيث اطلعت على تقرير أعدته جامعة (نيوكاسل) بأستراليا أعد لحساب الصندوق العالمي للطبيعة، أظهرت فيه أن الإنسان الفرد يبتلع خمسة غرامات من البلاستيك أسبوعيا، وأوضحت نتائج الدراسة التي اعتمدت على خمسين بحثا حول ابتلاع الإنسان للبلاستيك وأثبت في هذه الأبحاث أن كل فرد يبتلع حوالى 2000 جزء صغير وجزيئات من البلاستيك أسبوعيا بما يعادل 250 غراما سنويا. وحسب الإحصائيات في صناعة البلاستيك فإن كمية اللدائن الخام التي أنتجت حتى عام 2018م، حوالى 10 ملايين طن منها 8 ملايين طن أصبحت نفايات غير مستخدمة، ووصلت نسبة تدوير النفايات البلاستيك حول العالم إلى 9%، 12% منها تم حرقها، والمتبقي (79%) بما يوازي 5 آلاف مليون طن تمت إحالته إلى المكبات البرية والبحرية وتسرب جزء منها إلى باطن الأرض والبحار والأنهار والهواء ومنها دخل إلى جسم الإنسان والحيوانات. وعن تواجد المخلفات البلاستيكية فتشير الدراسات إلى أن كمية نفايات البلاستيك في المحيطات تصل إلى (13) مليون طن، أما كمية النفايات من البلاستيك في البحار فتصل إلى (150) مليون طن ويتوقع أن يصل وزنها إلى أكثر من وزن الأسماك في عام (2050)، وحسب الدراسات أثبتت نتائجها أن الخطر الأكبر من نفايات البلاستيك يقع في الجزيئات البلاستيكية الدقيقة التي تشكل سنويا في البحار بما حجمه خمسة تريليونات جزيء تزن في مجموعها أكثر من 250 ألف طن، وتعتمد عليها بعض الكائنات البحرية في غذائها ومنها الحيتان وبلح البحر والطيور، ومن ثم يصطادها الإنسان لتكون له غذاء ملوثا في تركيبات هذه الكائنات البحرية، ورغم تلوث الكائنات البحرية التي تشكل خطرا على الإنسان إلا أن هناك ما هو أخطر من تلوث الكائنات البحرية وهو التلوث البيئي من العوادم البلاستيكية نتيجة استنشاقه الجزيئات المايكروبلاستيكية المعلقة في الهواء، وعلى سبيل المثال في فرنسا وفي العاصمة الفرنسية باريس تبلغ كمية الجزيئات والألياف البلاستيك التي تتساقط في الهواء حوالى 280 حبة لكل متر مربع في اليوم. وأما تلوث الماء الذي نشربه من الجزيئات البلاستيكية فأشارت له الدراسة التي قامت بها مؤخرا جامعة (مينوسوتا) لحساب مؤسسة (أورب ميديا) تبين أن 83% من عينات الماء المأخوذ من الصنابير في 12 دولة حول العالم ملوثة بالألياف البلاستيكية، وتأتي في مقدمة هذه الدول الولاياتالمتحدةالأمريكية صاحبة أعلى معدل تلوث (94%) من مياهها ملوثة، ويأتي لبنان بعدها ثم الهند وأظهرت الدراسة أن المياه في دول أوروبا هي الأقل تلوثا وبلغ متوسط عدد الجزيئات في مياه الولاياتالمتحدةالأمريكية 4.8 في كل 500 مليليتر، وفي أوروبا 1.9 في كل 500 مليليتر. وأغرب ما أظهرته بعض الدراسات عن تلوث الماء من الجزيئات البلاستيكية أنها أثبتت أن أنظف ماء خالٍ من جزيئات البلاستيك هو الماء المحلى من البحر لأن محطات التنقية لا تعلق فيها جزيئات البلاستيك ولكن بعد تحليتها لو وضعت في عبوات بلاستيكية يمكن أن تتلوث وأحمد الله أن معظم مياه المملكة ناتجة من محطات التحلية. وبهذا نجد أن معظم المياه المعبأة في عبوات بلاستيكية يشوبها تلوث البلاستيك وعلى وجه الخصوص التي تتعرض للحرارة والشمس والتخزين الطويل. ولو جاز لي الاقتراح لاقترحت أن تتقدم المملكة بدراسة إلى مجموعة العشرين في اجتماعها القادم توضح فيها الآثار البيئية السيئة على الإنسان من المخلفات لصناعة البلاستيك والتقدم باقتراح وقف صناعة البلاستيك والبحث عن البدائل غير الملوثة للبيئة، وتطبيق اكتشاف الباحثين في جامعة هارفرد وهو ابتكار مادة البلاستيك الحيوي الذي يتكون من مركب عضوي متوفر بكثرة في الطبيعة وهو عنصر (الشيتوزان)، وهذا النوع من البلاستيك قابل للتحلل في الطبيعة وكذلك يساهم في نمو النباتات والأشجار، حيث أكد مدير معهد (Wyss) التابع لجامعة هارفرد أن هذه الطريقة في تصنيع البلاستيك الحيوي غير مكلفة وتنتج بديلا مستداما وحيويا للبلاستيك يمكن استخدامه في العديد من الصناعات كبديل عن البلاستيك التقليدي. ومع اقتراحي هذا فإنني أتوقع رفضا شديدا من صناع البلاستيك التقليدي وسيعملون على إحباطه في جميع أنحاء العالم لأن صناعة البلاستيك التقليدي تدرّ عليهم عوائد مادية مجزية جدا لكنها في الوقت نفسه هادمة للبيئة ومؤثرة سلبيا على أرواح البشر. * كاتب اقتصادي سعودي