العنوان سيخدعك، فالغالب أنك ستعتقد أن الموضوع لعب عيال، ولكنه بعيدا عن ذلك، تأمل في دور الفقاعات في يومك.. بعضها كان مباشرا مثل الصابون، ومعجون الأسنان.. والبعض الآخر كان مخفيا مثل الخبز، والقهوة. الفقاعة تحتاج لوقفات تأمل: كيف تتكون من الصابون بأغشيتها الرقيقة جدا التي تداعب الضوء لتغير ألوانها، وكيف تطير بسلاسة عجيبة، وكيف تهتز وتترنح، ثم تنهار وتختفي بدون أي دراما. ولو تعمقت في شكلها الكروي الجميل، ستجد أنه يعكس إعجاز الله عز وجل لتوفير الطاقة. الشكل الكروي هو الشكل الهندسي الذي يضمن أكبر حجم نسبة إلى سطح الفقاعة، وبالتالي فلا يتطلب كمية طاقة لتكوين الغلاف الخارجي.. منتهى الروعة في الاقتصاد. وهناك المزيد من الروائع، فالشكل الكروي يهيمن على هندسة الفقاقيع عندما تكون بمفردها، ولكن عندما تتكون «شلل» أو مجموعات من الفقاقيع فسيبدأ الشكل في التغيير ليصبح أقرب إلى شكل السداسيات لتتحد بزوايا تبلغ 120 درجة. ولكن الموضوع لا يقتصر على فقاقيع الصابون، ولعب العيال، والإبداع الهندسي. فضلا تأمل المصدر الأساس لقوتك وستجد أن الله عز وجل اختار الفقاقيع لتلعب أحد أهم الأدوار في تكوين هياكلنا. طبعا الهياكل العظمية هي الجزء المنظومة الأساسية المسؤولة عن قوتنا. وكونها بداخل أجسامنا يجعل موضوع الوزن أحد التحديات الهندسية الجوهرية. وهنا تتجلى إحدى روائع الفقاقيع، فلو تأملت في تركيبة العظام ستجد أنها مكونة من الكالسيوم وبداخله كميات من الهواء. ويحتوي فوسفات الكالسيوم على فقاعات مرصوصة بحكمة الله لتمنحنا القوة بدون أن يزداد وزن العظام لكي لا تصبح مصدر عناء في الحمل. وهنا لا بد من التوقف للتأمل في روعة نعمة عنصر الكالسيوم فهو يتميز بسهولة تكوين فقاعات ثاني أكسيد الكربون عندما تتحد عناصره القلوية مع المياه الطبيعية التي تميل إلى الحموضة. وبالمناسبة فهذا يبرر أيضا تكوين الصخور الجيرية والرخام في بعض التكوينات الجيولوجية الطبيعية. ولكن روائع الفقاقيع لا تبدأ ولا تنتهي بداخل العظام. تشير الأبحاث الحديثة إلى استخدامها في الفحوصات الطبية وبالذات في استخدام الموجات فوق الصوتية ultra sound. وتستخدم أيضا لإيصال الدواء بداخل الجسم إلى الخلايا المصابة وكأنها «شرنجات متناهية الصغر». هناك تطبيقات إبداعية أخرى تشمل العزل الحراري وبالذات في المركبات الفضائية التي تواجه أحمالا حرارية تفوق درجة انصهار المعادن التقليدية التي تستخدم لصناعة هياكلها. جدير بالذكر أن المكوك الفضائي استخدم منظومة مقاومة حرارية كانت مكونة من أكثر من عشرين ألف بلاطة كل منها مشحونة بآلاف الفقاقيع لحماية المركبة من درجة الحرارة التي كانت تفوق درجة حرارة «الدافور» عند عودتها إلى المجال الجوي بسبب الاحتكاك الشديد بالهواء. ولكن دور الفقاقيع لا يقتصر على الاستعمالات في السماوات، ففي البحر تلعب الفقاقيع أحد أغرب الأدوار فهي إحدى أداة النقل الرئيسة ضمن منظومة الطقس. وتحديدا، فعندما تتكون آلاف بلايين الفقاقيع في المحيطات والبحار وتصعد إلى السطح، تنفجر وتصعد مكوناتها من غازات، وملح، وغبار إلى طبقات الجو العليا لتكون بإرادة الله السحب، وهذه من أساسيات علوم الطقس التي لم نتعلمها. وأخيرا، فلا بد من الإشارة إلى دور الفقاعة في عالم التنظيف وترشيد استخدام المياه. فالمتوقع أنه سيشهد بمشيئة الله تغيرات جوهرية في المستقبل القريب بسبب تقنيات تعتمد على ضخها في المياه. ولا أقصد هنا الصابون بأشكاله وأنواعه المختلفة، وإنما المقصود هو استخدام هذه الأشكال العجيبة بطرق إبداعية للماء بأحجام صغيرة جدا. أمنية تطرقت إلى بعض من جوانب الفقاقيع المختلفة، وبقيت بعض الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ومنها «شوفة الحال» والعيش بداخل ما يشبه الفقاعات. أتمنى أن نتذكر دائما أن الدنيا تدور بطرق لا نتوقعها فمهما ارتفع شأن البشر، فاحتمال أن تنفجر فقاعتهم كبيرة، فالعلو والقوة لله وحده.. وهو من وراء القصد. * كاتب سعودي